للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو سعيد: اعلم أنّ الاسم العلم إنما وضع لإبانة شخص من سائر الأشخاص، وليس فيه دلالة على وجود معنى ذلك الاسم في الشخص الذي سمي به، كرجل يسمى بزيد، أو عمرو، أو جعفر، أو طلحة، أو حمزة، أو ما أشبه ذلك، ومعنى زيد: الزيادة، ومعنى عمرو: العمر، وجعفر: هو النهر، وطلحة: اسم لشجرة، وحمزة: اسم بقلة. وقد علم أن المسمى بشيء من هذا من الناس لا يراد به أنه نهر ولا أنه شجرة، ولا أنه بقلة، فإذا سموا بشيء من هذه الأسماء أو غيرها لإبانة الشخص، فإنه يصير معرفة بالتسمية، والذي يوجب التعريف اختصاص المسمى به شخصيا بعينه ليميزه من سائر الأشخاص، وهذا تعريف الاسم العلم الذي لا يحتاج إلى الألف واللام والإضافة، وهذه الأسماء إذا اشترك فيها المسمّون، لم يكن بينهم اتفاق يجب به اشتراكهم في الاسم؛ لأن جماعة أسماؤهم زيد لا يختصون بمعنى جمعهم على تسمية زيد يتباينون به ممن اسمه عمرو، وقد ذكر في أقسام المعارف: (أن الاسم يكون معرفة بدخول الألف واللام عليه كالرجل والفرس وما أشبه ذلك، وبالإضافة له إلى معرفة نحو ابن زيد وغلام زيد وما أشبهه)، وهذه الأسماء تجب للمسمين بها لمعان فيهم يختصون بها، وتوجب مثل تسميتهم لكل من شاركهم في المعنى، كالرجل يسمى به خلقته كخلقته، وكذلك الفرس، والدار، والبستان، والبزار (١)، والعطار، والظريف، والجميل، والشجاع؛ لأن كل من شارك البزار في صفته فهو بزار، وكذلك العطار، وكل من فيه ظرف أو جمال أو شجاعة قيل له:

الظريف، والجميل، والشجاع، لا يختص أحد منهم باسم دون سائر من فيه ذلك المعنى.

ثم غلب على بعض المسمّين بذلك الاسم الذي يشارك فيه غيره حتى يصير له كالعلم الذي يعرف به إذا ذكر مطلقا، ولا يعرف به غيره إلا بعهد يتقدّم، فمن ذلك الصّعق:

وهو رجل من بني كلاب وهو خويلد بن نقيل بن عمرو بن كلاب، ذكروا أنه كان يطعم الناس بتهامة، فهبت ريح فسفت في جفانه التراب، فشتمها، فرمي بصاعقة فقتلته، فقال فيه بعض بنى كلاب:

إن خويلدا فابكي عليه ... قتيل الريح في البلد التهامي

فعرف خويلد بالصّعق، وغلب عليه، وشهر به حتى إذا ذكر الصعق لم يذهب


(١) البزار: بياع بزر الكتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>