للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغنا أن بعضهم قرأ هذا الحرف نصبا: في وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (١)، لم يجعل الحمالة خبرا للمرأة، ولكنه كأنه قال: اذكر حمالة الحطب شتما لها، وإن كان فعلا لا يستعمل إظهاره وقال عروة الصعاليك.

سقوني الخمر ثم تكنّفوني ... عداة الله من كذب وزور (٢)

إنما شتمهم بشيء قد ثبت عند المخاطبين، قال النابغة:

لعمري وما عمري عليّ بهيّن ... لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع

أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع (٣)

وزعم يونس أنك إن شئت رفعت البيتين جميعا على الابتداء، تضمر في نفسك شيئا لو أظهرته لم يكن ما بعده إلا رفعا ومثل ذلك قال الشاعر:

متى تر عيني مالك وجرانه ... وجنبيه تعلم أنّه غير ثائر

حضجر كأمّ التوأمين توكأت ... على مرفقيها مستهلة عاشر) (٤)

والذي يضمر في الرفع هو وهم أو ما أشبه ذلك مما يوجب رفع الظاهر وقد مضى نحو هذا في المدح والتعظيم.

قال: (وزعموا، أبا عمرو كان ينشد هذا البيت نصبا، والشعر لرجل معروف من أزاد السراة:

قبّح من يزني بعو ... ف من ذوات الخمر

الآكل الأشلاء لا ... يحفل ضوء القمر) (٥)

الآكل نصب على الذم والشتم، بمعنى أذكر يعني به عوفا المخفوض في البيت الأول، والأشلاء جمع شلاء وهي المشيمة، وهي مستقذرة، وذلك مثل يريد: أن الرجل يأتي الأمور القبيحة لا يحفل ولا يبالي ظهورها عليه، وإن شاء جعله صفة فجرّه على الاسم، فقال: الآكل لأنه نعت عوف.


(١) سورة المسد، الآية: ٤.
(٢) ديوان عروة/ ٨٩، الخصائص لابن جني ٢/ ٤٣٣.
(٣) ديوان النابغة/ ٥٣، الخزانة ١/ ٤٢٦.
(٤) سيبويه ١/ ٢٥٣، ابن يعيش ١/ ٣٦.
(٥) سيبويه ١/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>