أبا لك، فليس في هذا كلّه إلا الرفع، ولا يجوز نصبه على مذهب من نصب العبيد؛ لأن هذه أشياء معلومة فلا يجوز حملها على المصدر المبهم، ويحتمل قولك: أما أبوك فلا أبا لك معنيين:
أحدها: أن تجعل أباه غير فاعل به ما يفعله الآباء من النصرة له والبرّ به.
وإمّا أن تكون حال عرضت لأبيه أعجزته عن ذلك، وهكذا قولهم: أمّا النصرة فلا نصرة لك، إمّا أن يكون منع منها ومن منافعها، أو تغيرت هي في نفسها فبطل منافعها.
وقوله:(وسمعنا من العرب من يقول: أمّا ابن مزنيّة؛ فأنا ابن مزنيّة؛ كأنه قال: أما ابن مزنيّة فأنا ذاك، فجعل الآخر الأول كما كان قائلا ذلك في الألف واللام: أما ابن المزنيّة فأنا ابن المزنيّة، وإن شئت نصبته على الحال كما قلت: أمّا صديقا فأنت صديق، فإنه يريد: أنك إن شئت جعلته مبتدأ وخبرا، كأنه قال: أما ابن مزنيّة فأنا هو، وأنا ذاك، وإن شئت نصبته حالا على التفسير المتقدم).
وقوله:(وأمّا قول الناس للرجل: أمّا أن يكون عالما فهو عالم وأما أن يعلم شيئا فهو عالم، فقد يجوز أن تقول: أمّا أن لا يكون يعلم فهو يعلم وأنت تريد أن يكون، كما جاءت: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (١) في معنى لأن يعلم أهل الكتاب. فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر، لأنّ أن مع الفعل الذي يكون صلة بمنزلة المصدر، كأنّك قلت: أمّا علما وأمّا كينونة علم فأنت عالم. ألا ترى أنّك تقول: أنت الرجل أن تنازل أو أن تخاصم، كأنّك قلت نزالا وخصومة، وأنت تريد المصدر الذي في قوله فعل ذاك مخافة ذاك. ألا ترى أنك تقول: سكتّ عنه أن أجترّ مودّته، كما تقول:
اجترار مودّته. ولا تقع أن وصلتها حالا يكون الأوّل في حال وقوعه، لأنّها إنما تذكر لما لم يقع بعد. فمن ثم أجريت مجرى المصدر الأوّل الذي هو جواب لمه؟).
فإنه يريد: أنك إذا أدخلت أن بعد أمّا فهي وما بعدها مصدر لا تكون في معنى الحال، ولا مصدرا يعمل فيه الفعل الذي هو من لفظه، كعمل ضربت في ضربا إذا قلت ضربت ضربا؛ لأن أن لا تدخل على هذين لأنهما للمستقبل؛ لكون الفعل الذي بعدها مستقبلا بل يكون مفعولا له، كقولك: كلمت زيدا لأن أجترّ مودته، وفعلت ذلك مخافة