وقال المبرّد: العامل في " صديق مصاف " التقدير الذي دلّت عليه " أمّا " كأنه قال:
مهما يذكر زيد صديقا مصافيا فليس بصديق، وليس يعمل فيه قولك: بصديق، لأنّ ما بعد الباء عنده لا يعمل فيما قبلها.
وغيره من أصحابنا أجاز فأعمل ما بعد الباء فيما قبلها؛ لأن الباء ههنا زائدة ودخولها كخروجها.
واعلم أنّ قولك:" بزيد " أن الباء حرف فلا يتقدّم معمولها إذ ليست للحروف قوّة الفعل كما لا تقول: راكبا مررت بزيد؛ لأنّ ما في صلة الباء لا يتقدّم عليها.
ومن أجاز إعمال ما بعد الباء في " أمّا " فرّق بين الباء التي تدخل للجحد التي تعدّي الفعل بالزيادة التي ذكر.
واعلم أنّ قولك: أمّا صديقا مصافيا، مفارق لقولك: أمّا العلم فعالم؛ لأنه لمّا لم يضمر شيئا هو العلم رفعت بالابتداء، وأنت قد أضمرت زيدا في قولك: أمّا صديقا مصافيا، وإنما طرحت زيدا بعد أن عرف وجرى ذكره؛ فلذلك أضمرته، وإذا قلت: أمّا الصديق المصافي فليس بصديق مصاف، فليس إلا الرفع، لأنه لما كان بالألف واللام لم يكن حالا فرفعته بالابتداء.
ومعنى قول سيبويه: لأنك قد أضمرت صاحب الصفة، أي: أضمرت زيدا الذي هو صديق، ويعني بالصفة الحال، والصفة ههنا هي الموصوف الذي هو زيد، وليست بمنزلة المصدر الذي هو غيره نحو العلم.
والحجازيون لا يقولون: أمّا الصديق المصافي فليس بصديق بنصب الصديق، كما قالوا: أمّا النبل فنبيل؛ لأن الصديق ليس بمصدر فيكون مفعولا له كالنّبل الذي هو مصدر نصب لأنه مفعول له، ويكون جوابا لمن قال: لمه؟ ألا تراك تقول: صاحبك صاحب النبل والشّرف وصاحبك الصديق المصافي، يعني للصديق.
وقول سيبويه:(وإذا قلت: وأمّا الضرب فضارب فهذا ينتصب على وجهين:
على أن يكون الضرب مفعولا كقولك: أمّا عبد الله فأنا ضارب فيكون مصدرا مؤكّدا، وقد يجوز نصب الضرب من وجه ثالث وهو المفعول له في لغة أهل الحجاز).
قال أبو سعيد: والصواب عندي في هذا الباب وما ذكرنا من خلاف النحويين ألّا