للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النّصب لا في المعنى، يقول الله عز وجلّ: جاعل اللّيل (١) سكنا والشّمس والقمر حسبانا) (٢) يعني أن جاعل اللّيل سكنا في معنى: جعل الليل سكنا، فعطف الشمس والقمر على معنى جعل.

قال: (وإذا أردت الحال فكأنّه توهّم بعد قوله: له صوت يصوّته صوت حمار، أو يبديه أو يخرجه صوت حمار، ولكنّه حذف هذا لأنّه صار له صوت بدلا منه، فإذا قال: مررت به فإذا هو يصوّت صوت حمار فعلى الفعل غير الحال وعلى الحال، وقد مضى ذكر الوجهين، وإذا قال: يصوّت صوت حمار فعلى إضمارك فعلا بعد الفعل المظهر).

وقد كشفت هذا وبيّنته.

قال: (ومثل هذا: مررت به فإذا له ... دقّ " دقّك بالمنحاز حبّ الفلفل ")

والمنحاز: الهاون، يريد أنّك كما قلت: له صوت صوت حمار انتصب على أنّه مثال أو حال يخرج عليه الفعل، وأنّك إذا أظهرت الفعل الذي لا يكون المصدر بدلا منه احتجت إلى فعل آخر فتضمره؛ فمن ذلك قول الشاعر:

إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكار شايحت بكارها (٣)

قال أبو سعيد: اعلم أن مذهب سيبويه أنه إذا جاء بالمصدر بفعل ليس من حروفه كان بإضمار فعل من لفظ ذلك المصدر، فمن أجل هذا استدلّ على إضمار فعل بعد قوله: له صوت بهذا الشعر لأن قوله: دأب بكار منصوب وليس قبله فعل من لفظه فأضمر دأبت دأب بكار، وتدأب دأب بكار، والذي قبله: سقطت أبصارها، كأنّه قال: أداموا النظر إليّ، والدأب: الدوام، فكان في " سقطت أبصارها " بالنظر إليه ما دلّ على أنّها دأبت فأدامت ويكون " دأب بكار " على الحال وعلى المصدر.


(١) وهي قراءة لغير عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، والأعمش (الميسر في القراءات الأربعة عشر) ص ١٤٠.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٩٦.
(٣) البيت لغيلان بن حريث: شرح أبيات سيبويه للنحاس: (إذا رأوني) ١٨١؛ المقتضب ٣:
٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>