والعلم، وغيرهما من أفعال القلب، قد يجوز أن تكون مفعولاتها جملا، فيكون عمل هذه المفعولات في مواضعها، لا في ألفاظها، إذا دخل في الكلام ما يمنع من ذلك كقولك:
" عرفت أزيد في الدار أم عمرو "، فمفعول " عرفت " الاسم الذي وقعت الجملة موقعه، كأنك قلت: " عرفت ذاك " وكذلك: " ليت شعري زيد أعندك هو أم عند عمرو "، كأنه قال: ليت شعري ذاك، وتقديره: ليت الذي أشعر به ذاك.
وفيه وجه آخر وهو أن يكون: " زيد أعندك هو أم عند عمرو " في صلة: " شعري " وقد ناب عن الخبر، كما تقول: " حسبت أن زيدا منطلق " " فأنّ " وما بعدها من الاسم والخبر في تقدير اسم واحد، و " حسبت " تحتاج إلى مفعولين، و " أنّ " وما بعدها من الاسم والخبر، تسدّ مسد المفعولين، وإن كانت في تقدير اسم واحد.
ولا يمتنع دخول: " شعري " على: " زيد " وإن كان حرف الاستفهام بعده؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه، فكأنك قلت: " ليت شعري أزيد عندك أم عند عمرو "، ومثل ذلك:
" إن زيدا فيها وعمرو ". تردّ عمرا على موضع " زيد "؛ لأنه في المعنى مبتدأ.
قال: " ولكنه أكد كما أكد فأظهر زيدا وأضمر ".
يريد أكد بإنّ كما أكد في قوله: " علمت زيد أبو من هو " بإظهار: " زيد " وإضماره، فلم يخرج " زيد " من معنى الاستفهام، كما لم يخرج اسم " إن " من معنى الابتداء.
قال: فإن قلت: " عرفت أبو من زيد " لم يجز إلا الرفع لأن المضاف إلى الاستفهام بمنزلة الاستفهام.
فإن قلت: قد عرفت أبا من زيد مكنيّ ".
انتصب " الأب " بمكني، وزيد مبتدأ، ومكنيّ خبره، وفيه ضمير مرفوع من: " زيد "، يقوم مقام الفاعل و " أبا من " مفعول ما لم يسم فاعله، ألا ترى أنك تقول: " زيد مكنيّ أبا عمرو "، فإذا جعلته استفهاما وجب أن تقدمه فتقول: " أبا من زيد مكنّي " فإذا دخلت عليه: " عرفت " لم يتغير.
ومثله: " أأبا زيد تكنى أم أبا عمرو "، ثم تدخل عليه: " علمت " فلا يتغير، فتقول:
" قد علمت أأبا زيد تكنى أم أبا عمرو " فلا تغيّر المنصوب المستفهم عنه، كما لم تغير المرفوع؛ في قولك: " قد علمت أزيد في الدار أم عمرو ".
وتقول: " قد عرفت زيدا أبا من هو مكني "، وإن شئت قلت: " قد عرفت زيد "