للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول في ذلك ما قاله " أبو إسحاق الزجاج " رحمه الله، قال: إن قدّرته: أنت أكرم عليّ من ضربك، لم يجز لأنك لست تريد أن تخبر أنه أكرم عليك من ضربه، وهذا هو ظاهر الكلام، وإن حمل المعنى عليه بطل، قال أبو إسحاق: وتهذيب هذا الكلام هو: كأن قائلا قال: " أنت تضربني " فنسب الضرب إلى نفسه، فقال الآخر: أنت أكرم عليّ من صاحب الضرب الذي نسبته إلى نفسك، وليس ذلك.

ومثل هذا أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (١) وليس لله تعالى شريك، وإنما جاز هذا؛ لأنهم جعلوا لله تعالى شركاء في زعمهم، فكأنه قال: أنت أكرم عليّ ممن يستحق ما زعمت أنه لك، ونسبته إلى نفسك، وأنشد سيبويه قول " النابغة الجعدي " مستشهدا لجواز الحذف:

كأنّ عذيرهم بجنوب سلّى ... نعام قاق في بلد قفار (٢)

أراد عذير نعام، والعذير الحال، وقال " أبو العباس " وحده: العذير الصوت، وما فسر أحد سواه ذلك، و " قاق ": صوت.

ومن ذلك قول عامر بن الطفيل:

فلأبغينّكم قنا وعوارضا ... ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد (٣)

أراد بقنا وعوارض، وحذف الباء فأوصل الفعل ومعناه: ولأطلبنكم بهذين المكانين.

قال: ومن ذلك قولهم: " أكلت أرض كذا وكذا، أراد أكلت خير بلد كذا، ومنه قولهم: هذه الظهر، أو العصر، أو المغرب ".

تريد هذه صلاة الظهر وصلاة العصر، وصلاة المغرب؛ لأن الظهر اسم للوقت، وكذلك العصر، كأنه أراد هذه صلاة هذا الوقت، ومنه قولهم: " اجتمع القيظ "، وإنما يريدون: اجتمع الناس في القيظ، وتقديره: اجتمع ناس القيظ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.


(١) سورة القصص، آية: ٦٢.
(٢) نسبه ابن بري إلى شقيق بن جزء بن رباح الباهلي اللسان (فوق) ١٢/ ٢٠١ الإنصاف ٤٧ - رغبة الآمل ٨/ ٢٤.
(٣) سبق الحديث عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>