ويجوز إضافة المصدر إلى الفاعل إن شئت، وإلى المفعول؛ لتعلقه بكل واحد منها؛ فتعلقه بالفاعل وقوعه منه، وتعلقه بالمفعول وقوعه به، فإلى أيهما أضفته جررته، وأجريت ما بعده على حكمه، إن كان فاعلا فمرفوع وإن كان مفعولا فمنصوب، كقولك:
عجبت من دقّ الثوب القصار " إذا أضفت إلى المفعول، و " من دقّ القصار الثوب " إن أضفت إلى الفاعل، وإنما جاز أن تأتي بعد المصدر بالفاعل والمفعول، ولم يجز أن تأتي بعد اسم الفاعل إلا بالمفعول؛ من قبل أن المصدر غير الفاعل وغير المفعول. فلا يستغنى بذكره عن ذكرهما، واسم الفاعل هو الفاعل، فلا يحتاج إلى ذكر الفاعل بعده، ولا يجوز إضافته إلى الفاعل، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه.
ومعنى قول سيبويه: " وإنما خالف هذا الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع ".
يعني: خالف المصدر الاسم الذي جرى مجرى الفعل المضارع وهو اسم الفاعل؛ من أجل ما ذكرنا وهو أن المصدر ليس بفاعل ولا مفعول.
قال: فمما جاء من هذا قوله عز وجل: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١) فالتقدير فيه: أو أن تطعموا، فحذف
الفاعل، ولو أظهر لقال أو إطعام أنتم.
ويجوز عندي ألّا يقدر فاعل وينصب بالمصدر نفسه، كما نصب التمييز في قولك:
" عشرون درهما "، و " ما في السماء موضع راحة سحابا " من غير أن يقدّر فاعل.
فإن قال قائل: فإذا نصبت " يتيما " ولم تقدر فاعلا في " إطعام " وشبّهته " بعشرين "؛ فقد جعلته تمييزا فلا يجوز أن تنصب إلا نكرة، ولا يقال " أو إطعام زيدا "، قيل له: نحن وإن نصبناه من غير أن نقدر فاعلا، فإنما ننصبه تشبيها بالفعل الذي ينصب المفعول، فلا يلزم أن يكون مثل الفعل في جميع أحواله، ألا ترى أنا نقول: " أو إطعام زيد عمرا " فننصب " عمرا " بإطعام، ونقيم " زيدا " منه مقام التنوين وهو مجرور، ولا نقدر فاعلا غير " زيد "، فقد حصل في المصدر بطلان لفظ الفاعل الذي هو مرفوع من الفعل لا محالة، ولم يكن المصدر في هذه الحال بمنزلة الفعل، فكذلك ما ذكرناه.