قلت:" ضربت الناس " جاز أن يكون مستوعبا لكلهم، وجاز أن يكون لبعضهم، فصار ذكر البعض كالتحلية للضرب والتمييز بين أحواله.
قال: (ومن هذا الباب " ألزمت الناس بعضهم بعضا " و " خوّفت الناس ضعيفهم وقويّهم ").
فالوجه في ذا نصب الثاني على البدل!!؛ وذلك أنّ " ألزمت " و " خوفت " فعلان منقولان من لزم وخاف، وكان الأصل لزم الناس بعضهم بعضا، وخاف الناس ضعيفهم قويّهم على البدل، فلما أدخلت الألف في " لزم " وشدّدت عين الفعل من " خاف " جئت بفاعل آخر، فصيرت الفاعل الأول مفعولا، وأبدلت منه في حال النصب ما أبدلت منه في حال الرفع.
قال: (وعلى ذلك " دفعت الناس بعضهم ببعض " على قولك: دفع الناس بعضهم بعضا، ودخول الباء هاهنا بمنزلة قولك " ألزمت " كأنك قلت في التمثيل " أدفعت " كما أنك تقول: " ذهبت به من عندنا، وأذهبته من عندنا " وأخرجته معك وخرجت به معك).
قال أبو سعيد: اعلم أن الباء قد تقوم في نقل الفعل مقام الألف، وتشديد عين الفعل، تقول:" قام زيد " فإذا نقلته قلت: " أقمت زيدا " فنقلته بالألف وتقول: " قمت بزيد " على معنى أقمت زيدا، فقامت الباء مقام الألف، وتقول:" عرف زيد عمرا " فإذا نقلت قلت: " عرّفت زيدا عمرا " فالنقل بهذه الثلاثة الأشياء.
وربما استعمل في شيء بعضها دون بعض، فمن ذلك " دنا زيد " ثم تقول: أدنيت زيدا، ولا يقال: دنّيته، وتقول:" عرّفت زيدا عمرا " ولا تقول: أعرفت، وتقول: دفع زيد عمرا فإذا نقلته أدخلت الباء فقلت: " دفّعت زيدا بعمرو " ولا تقول: " دفعّت زيدا عمرا " فهذا كله على نحو ما استعملته العرب في النقل، والأكثر في كلامهم النقل بالهمزة، وإنما ينقل من الأفعال ما كان ثلاثيّا، وليس كل فعل ثلاثي ينقل؛ لأنك إذا قلت:" ظننت زيدا منطلقا، فأكثر البصريين لا يجيزون من طريق القياس " أظننت زيدا بكرا منطلقا "، وكان الأخفش يجيزه.
ومعنى قولنا: " نقل الفعل على الجملة " هو أن تجعل الفاعل مفعولا، وكان أبو العباس يفرق بين " ذهبت به " " وأذهبته " فيقول: " ذهبت به " إذا ذهب وأنت معه،