فيصير هذا بمنزلة قولك:" من يأتيني فله درهم "؛ لأن الدرهم يستحق بالإتيان، فإن قصدت " بالذي " وصلته إلى اسم بعينه، لم يجز دخول الفاء في خبره، وجرى مجرى " زيد "، فقلت:" الذي يأتيني له درهم "، كأنك أردت: زيد الذي يأتيني له درهم، إذا قدرت أنه يأتيك، أو وعدك بذلك ولا يستحق الدرهم من أجل إتيانه فيجري مجرى " زيد " إذا قلت: " زيد له درهم ".
ومما يجري مجرى الذي " كل رجل يأتيني فله درهم "؛ لأنك إنما توجب الدرهم بسبب إتيانه، فتضمر معنى المجازاة، فدخلت الفاء من أجلها.
فنقول الآن: إن قوله: " اللذين يأتيانك فاضربهما " يجوز فيه الرفع والنصب، فإن جعلت " اللذين " بمنزلة " زيد "، ولم تضمر مبتدأ ولا خبرا، كان الاختيار النصب، ولم تكن الفاء داخلة لجواب المجازاة، ولكنها دخلت كما دخلت في الأمر حين قلنا:
والوجه الثاني: ألا تقصد إلى اثنين بأعيانهما، وتجعل الضرب مستحقّا بالإتيان، فكل اثنين أتياه وجب ضربهما. كما قال تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما (١) فوجب الأذى على كل اثنين يأتيان الفاحشة، وعنى بالاثنين الذكر والأنثى، ولم يكن الحكم جاريا على اثنين بأعيانهما دون غيرهما، ويكون قوله " فاضربهما " خبرا، ودخلت الفاء للجواب لا للأمر.
ولا يجوز سقوطها على هذا الوجه، ويجوز سقوطها في النصب؛ لأنك لم ترد هذا المعنى، وإن قصدت " باللذين " إلى اثنين بأعيانهما، لم يجز أن ترفع، وتدخل الفاء فتقول:
" اللذان يأتيانك فاضربهما " وأنت تعني زيدا وعمرا، كما لم يجز أن تقول:" زيد فاضربه "