فالتاء والميم المفعول الأول، وقد أقيم مقام الفاعل، والهاء المفعول الثاني، و " له علينا العلاء " جملة في موضع المفعول الثالث.
وهذان الضربان المفعول الثالث فيهما خبر عن المفعول الثاني، ولا يجوز ذكر أحدهما دون الآخر، ويجوز الاقتصار في هذين الضربين على المفعول الأول؛ لأن المفعول الأول في هذين الضربين بمنزلة الفاعل، والفاعل يجوز أن يقتصر عليه، ألا ترى أن قولنا:" أعلم الله زيدا عمرا منطلقا ": أصله: " علم زيد عمرا منطلقا " وأنت لو قلت: " علم زيد " وسكت عليه جاز، وكذلك يجوز أن تقول:" أعلمت زيدا " وكذلك: " نبّأت زيدا "، ولا تذكر أي شيء نبأته، ويجوز ألا تذكر المفعول الأول وتذكر المفعولين الآخرين، فتقول:" أعلمت دارك طيّبة "، وأنت تريد: أعلمت زيدا؛ لأن زيدا ليس يتعلق بالمفعولين الآخرين، وليس يضطر الكلام إلى ذكره؛ لأنه مفعول يستغنى عنه.
وقول سيبويه:" لا يجوز أن يقتصر على مفعول واحد دون الثلاثة " فإن معناه لا يحسن، ألا ترى إلى قوله:" لأنّ المفعول هاهنا كالفاعل في الباب الذي قبله ". ويجوز الاقتصار على الفاعل في الباب الذي قبله.
وكثير من مفسري كتاب سيبويه من المتقدمين والمتأخرين، ربما قالوا: لا يجوز الاقتصار على واحد من الثلاثة، تلقّنا من لفظ سيبويه من غير تفتيش ولا تحصيل.
والصحيح ما خبرتك به.
يريد: أنك إذا قلت: يا سارق الليلة، فقد جعلتها مفعولا له على السعة لا غير، وأضفت إليها اسم الفاعل، كما تقول: يا
ضارب زيد. وإذا قلت:" سرقت عبد الله الثوب الليلة " جاز أن تكون " الليلة " مفعوله على السعة، وجاز أن تكون ظرفا، فإن لم تجعلها ظرفا فقد صيرتها بمنزلة " يا سارق الليلة " التي لا تكون ظرفا.
فإن قال قائل: لم جاز أن تكون " الليلة ظرفا إذا لم تضف إليها، ولا يجوز أن تكون ظرفا إذا أضفت إليها؟
قيل له: معنى الظّرف ما كانت " في " مقدرة محذوفة، فإذا ذكرنا " في " أو حرفا من حروف الجر، فقد زال عن ذلك المنهاج، فإذا أضفناه إليه فقد صارت الإضافة بمنزلة حروف الجر، فخرج من أن يكون ظرفا.
ثم قال سيبويه ممثلا لما قدم: " وتقول: أعلمت هذا زيدا قائما العلم اليقين