للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنك قلت: عرفته في حال انطلاقه.

ولا فرق بين العلم والمعرفة، ووجود القلب ورؤيته إذا أردت بها العلم في التّحصيل، غير أنّ العرب تجعل عرفت زيدا لمعرفة ذاته فقط، وتجعل " وجدت " و " رأيت " لمعرفة قصّته فقط، كقولك: وجدت زيدا منطلقا، و " رأيته

متكلّما "، وتجعل " علمت " مرّة لمعرفة الذات فقط، في مذهب " عرفت " ومرّة في معرفة القصّة، في مذهب " وجدت ".

وقال الله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ (١) وقال الله تعالى:

وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ (٢).

قال سيبويه: " أمّا ظننت ذاك، فإنما جاز السّكوت عليه؛ لأنك تقول: ظننت فتقتصر ".

يعني: أنّ قول العرب: " ظننت ذاك " إنما يعنون ذاك الظّنّ، وقد جاز أن تقول:

ظننت، كما بينّا، فإذا جئت بذاك، وأنت تعني به المصدر، فإنما أكّدت الفعل، ولم تأت بمفعول يحوج إلى مفعول آخر.

قال سيبويه في تفسير هذا: " تقول ظننت ثم تعمله في الظن، كما تعمل ذهبت في الذهاب، فذاك هاهنا الظن كأنك قلت: ظننت ذاك الظنّ وكذلك: خلت وحسبت.

يعني إذا قلت: خلت ذاك، وحسبت ذاك.

قال: " ويدلّك على أنه الظن أنك لو قلت: خلت زيدا وأرى زيدا يجز ". وهذا بيّن.

ثم قال: " وتقول: ظننت به، أي جعلته موضع ظنّك، كما تقول: نزلت به، ونزلت عليه ":

وقد بينا أن اتصال هذه الأفعال بحروف الجر كاتصالها بالظروف، ولا تحوج إلى ذكر مفعول آخر.

ثم قال: " ولو كانت الباء زائدة بمنزلتها في قوله: كفى بالله، لم يجز السّكوت عليه ".


(١) سورة البقرة، آية: ٦٥.
(٢) سورة الأنفال، آية: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>