للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و " دخلت الدّار "، وكان القياس أن تقول: " دخلت في البيت " و " دخلت في الدار " إلا أنهم حذفوا حرف الجرّ وجعلوه كالظروف، لأنها أماكن.

وجعل سيبويه حذف حرف الجرّ من " الشّأم " بتأويل أنه مكان كحذف حرف الجرّ من: " دخلت البيت " بتأويل أنه مكان.

وقد رد ذلك عليه من وجهين أحدهما: أنه قيل للمجتمع عنه: ليس " ذهبت الشّأم " مثل " دخلت البيت "، من قبل أن " الشّأم " اسم لموضع بعينه، لا يقع على كل ما كان مثله من البلدان والمدن، و " البيت " اسم لكلّ ما كان مبنيا، فكان البيت أعمّ.

وهذا الذي قاله هذا القائل، وإن كان مصيبا فيه، فلم يذهب سيبويه حيث ذهب؛ لأن سيبويه إنما أراد أن يرينا أن " ذهبت الشّأم " شاذ، والأصل فيه استعمال حرف الجرّ، كما أن " دخلت البيت " الأصل فيه استعمال حرف الجرّ، وإن كان البيت أعمّ من " الشّأم ".

والوجه الآخر من وجهي الردّ عليه: ما قاله أبو عمر الجرمي، وهو أنّ " دخلت " فعل يتعدى بحرف وغير حرف تقول: " دخلته " و " دخلت فيه "، كما تقول: " جئتك " و " جئت إليك " و " تعلّقتك " و " تعلّقت بك " على أنه مفعول به كزيد وعمرو، وتارة يتعدّى بحرف، وتارة بغيره. ومن الأفعال ما يكون هكذا.

وليس الأمر على ما قاله أبو عمر. والدليل على أن " دخلت " لا يتعدّى، وأن " دخلت البيت " قد حذف منه حرف الجرّ وهو يراد قولك: " دخلت في الأمر "، و " دخلت في كلام زيد "، ولا يجوز: " دخلت الأمر " ولا " دخلت كلام زيد "، فعلمت بهذا أنهم توسّعوا في حذف حرف الجرّ من الأماكن فقط، وتركوا غيرها على القياس.

ومما يدل على أن الدخول هو نقيض الخروج، والخروج لا يكون إلا بحرف جرّ، كقولك: " خرجت من الدّار ".

ومما يدل على ذلك أيضا أنّ الدخول في الشيء إنما هو انتقال من مكان إليه، وهذا الانتقال إنما هو شيء تفعله في نفسك وتصير به إلى المكان الثاني، والانتقال لا يتعدّى إلا بحرف.

وهاتان العلتان الأخريان قد كان أبو بكر السراج يحتج بهما.

قال سيبويه: " ومثل ذلك قول ساعدة بن جؤية ":

<<  <  ج: ص:  >  >>