حلماؤها من أميّة، ورفع سفاؤها باستجهلت، ووضع الكلام في غير موضعه؛ لأن قوله:
" فاستجهلت " هو جواب لقوله: " قد سفهت "، وفاعل الفعل الأول حكمه أن يأتي بعد الذي يعمل فيه الفعل الثاني.
الذي يعمل فيه الفعل الثاني.
قال أبو سعيد: وكان حكمه في الظاهر أن يعمل أحد الفعلين، إما سفهت، وإما استجهلت، فأعملهما جميعا بعد الفعل الثاني، وهذا كقولك:" ضربني وضربت زيدا " و " أعطاني وأعطيت زيدا درهما "، إذا أعملت الفعل الثاني، وإن أعملت الأول قلت:
" أعطيت وأعطاني إيّاه زيدا درهما "، فالذي تعمله في الظاهر أحد الفعلين، ولا يحسن أن تقول:" أعطيت وأعطاني إيّاه زيد درهما " ترفع زيدا بالفعل الثاني، وتنصب الدّرهم بالفعل الأول.
وتقول أيضا على هذا:" ظنّ عمرو أو قال زيد منطلق ". إذا أعملت قال، فإذا أعملت الظن فالوجه أن تقول:" ظنّ عمرو أو قال هو هو زيد منطلقا " ولو قلت: " ظنّ عمرو أو قال زيد هو إيّاه منطلقا " لم يحسن، لأن الظاهرين إما أن يفعل فيهما الأول أو الثاني، ولا يحسن أن يعمل كلّ واحد من الفعلين في واحد من الظاهرين، وهذا كله إذا وقعت الأسماء بعد الفعلين جميعا، فإذا وقع كل واحد من الأسماء في موضعه، لم يحتج فيه إلى هذا واستعمل كما ينبغي، فلما كانت " حلماؤها وسفهاؤها " بعد " سفهت " و " استجهلت " لم يحسن أن يكونا ظاهرين بعد الفعلين جميعا، وأحدهما غير الآخر، ولو كان أحدهما هو الآخر لكان أقرب إلى الجواز؛ لأنه كان يجعل ظاهره مكان مضمره، وذلك أنك إذا قلت:" قام فانطلق زيد " ورفعت زيدا بقام، وجعلت في " انطلق " ضميرا منه، صار التقدير:" قام زيد وانطلق ".
قال أبو سعيد: يجوز على القياس: " قام فانطلق زيد زيد " على أنك ترفع زيدا الثاني بقام، وترفع الأول بانطلق، فيكون التقدير: قام زيد فانطلق زيد، والوجه الإضمار، وإن كان هذا جائزا. والدليل على جوازه قوله:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء ... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١)
والوجه أن يقول: لا أرى الموت يسبقه شيء.
(١) البيت منسوب لسوادة بن زيد في سيبويه ١/ ٣٠، واللسان (نغص).