قال أبو سعيد: والذي عندي أنه إذا دخل نهي أو نفي على ما فيه " أو " فإن النهي والنفي عن الجميع فيما كان مباحا أو تخييرا.
وذلك أنك إذا أمرت وأنت تخيره فقلت: خذ دينارا أو ثوبا. فأنت تأمره بأخذ أحدهما والآخر محظور.
فإذا نهيته فقد حظرت عليه الذي كنت تأمره بأخذه. فصار الجميع محظورا من حيث كان تقدير الآخر: خذ أحدهما. يصير تقدير النهي:" لا تأخذ أحدهما ". فأيهما أخذ فقد عصى لأنه قد أخذ أحدهما وليس يكون هذا على ما قال أبو الحسن بن كيسان إلا على وجه اللغز.
كأنه يقصد بأحدهما في اللفظ واحدا بعينه ويبهمه على السامع كقول القائل " جاءني زيد أو عمرو " وهو يعرف الذي جاء بعينه ولم يعرض للآخر بشئ.
واعلم أن " أو " تدخل بين فعلين بعد استغناء الفعل قبلها ويكون الفعلان بمعنى الحال وفيها معنى المجازاة ولا يكفي الكلام بأحد الفعلين ولا يكون إلا فعلا ماضيا. وذلك قولك: لأضربنه ذهب أو مكث ومعناه: لأضربنه إن ذهب وإن مكث. وموضعه من الإعراب نصب. كأنه قال: لأضربنه ذاهبا أو ماكثا.
ولا يجوز:" لأضربنه ذهب " على معنى: لأضربنه ذاهبا. لأن " ذهب " فعل ماض ولا يكون حالا لمستقبل.
وإنما جاز:" لأضربنه ذهب أو مكث ". لأنه بالتكرير صار فيه معنى: إن ذهب وإن مكث كأنه قال: لأضربنه كائنا ما كان. و " لأضربنه على كل حال ".
ولا يجوز الفعل المستقبل في هذا. لأن الفعل المستقبل يقع موقع الحال ولا يحتاج إلى تكرير، ولا يدل على أنك تريد به المجازاة.
ألا ترى أنك تقول: لأضربن زيدا يضحك. بمعنى: ضاحكا. ولو قلت: لأضربنه يذهب أو يمكث لم يكن فيه دلالة على المجازاة كما دل الماضي بلفظ المضي الذي يقتضيه على المجازاة.
ولو جعلت في أول الفعل ألف الاستفهام جعلت مكان " أو " و " أم "، ولم يخرج عن معنى المجازاة ولزوم الفعل الماضي كقولك: لأضربنه أذهب أم مكث؟
واستدل الخليل على جواز ذلك بقولهم:" لأضربنه أي ذلك كان ".