للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قولهم: أبددت القوم عطية أي فرقتها بينهم

قال أبو ذؤيب:

فأبدهن حتوفهنّ فطالع ... بدمائه أو ساقط متجعجع (١)

فإذا قال: لابد منه. فكأنه قال: لا مفارقة ولا تباعد منه، وقد فسره أصحابنا بالسعة لأن تفرق ما بين الشيئين سعة ما بينهما، فكأنهم جعلوا أصله السعة وحقيقته عندي ما ذكرته.

قال أبو العباس محمد بن يزيد " بد " موسع فإذا قلت: لابد أنك ذاهب. غير موسع عليك أنك ذاهب، وحقيقته: غير موسع عليك تركك الذهاب وقولهم: أما حقا أنك ذاهب فيكسر " إن " فهو جيد وكذلك: أما جهد رأيى فأنك ذاهب وكذلك جميع الظروف المتقدمة التي بعدها: " أن " إذا دخلت قبلها " أما " فكسر " إن " حسن وإن لم تكن " أما " فالفتح لا غير. وإنما كسر مع دخول " أما " لأنها تسوغ تقديم ما بعد الفاء على " الفاء " و " أما " عوضا مما حذف منه. وجوز فيه تقديم ما لم يكن يجوز تقديمه قبل دخولها وقد ذكرت ذلك مستقصى قبل هذا الموضع.

ومعنى قول سيبويه " أما جهد رأيى فإنك ذاهب) لأنك لم تضطر إلى أن تجعله ظرفا كما اضطررت في الأول يعني: أنك مضطر قبل دخول " أما " أن تفتح " أن " إذا قلت:

جهد رأيى أنك ذاهب. فتجعل " أن " مبتدأ وما قبله ظرفا. كقولك (خلفك زيد) لأنك لو لم تفتح وكسرت انقطع الظرف من " أن " وخبرها فلم يتصل. لأن ما بعد " أن " لا يعمل فيما قبلها قبل دخول " أما " وقد ذكرناه فصرت مضطرا إلى فتحها. فإذا دخلت " أما " جاز فيها الكسر فلم تضطر إلى فتحها وجعلتها مبتدأ. وقولهم: " أما بعد " فإن الله عز وجل قال في كتابه " فأن بعد " بمنزلة " اليوم " ولا يكون " بعد " ولا " قبل " خبرين إذا لم يكونا مضافين. هذا كلام سيبويه ومذهبه ولم أر غيره ذكره ولا تكلم عليه إلا أصحابه الذين


قد سمنتها بالسويف أمها ... فبدت الرجل فما تضمها
انظر نوادر أبي زيد: ٣٤١.
(١) ديوان الهذليين: ١/ ٩، شرح المفضليات: ٨٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>