للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاسم لم يكن لها معناها حين تعمل في الفعل.

وقال الكسائي في: حتى مطلع تخفضه إلى المضمرة وليس لحتّى فيه عمل.

وقال الفرّاء: حتى هي الخافضة للمطلع لمّا قام مقام إلي.

قال أبو سعيد: اعلم أنّ الحرف الواحد الذي أصل معناه واحد قد يستعمل في مواضع مختلفة، فيغلب عليه اختلاف مواضعه، فيصيّره كالحروف المختلفة حتى يعمل أعمالا مختلفة، وذلك نحو لا أصلها النفي للشيء وإبطاله، ثم استعمل في مواضع مختلفة من نهي يقابل به الأمر، ومن نفي يقابل به حروف الاستفهام، ومن دخول على مبتدإ وخبر وغير ذلك من مواضعه، فعملت أعمالا مختلفة من جزم ونصب ورفع، وأبطل عملها في بعض مواضعها؛ لأنّ تفرّقها في هذه المواضع المختلفة كتفرّق الحروف المختلفة اللّفظ والمعنى.

ومن ذلك اللام المكسورة؛ لفظها واحد ومواضعها مختلفة، فجزمت الفعل وخفضت الاسم، ولا خلاف بين النّحويين فيما ذكرناه، وإنما يختلفون بعد ذلك في حروف تظهر لها أعمال، فلا يحقّقون تلك الأعمال لها، ويطلبون حروفا أخر يدّعون إضمارها لتلك الأعمال، وإبطال عمل هذا الظاهر عنها، وربّما جعلوا بعضها بدلا من شيء آخر، فمن ذلك ما يمكن تصحيحه ويقرب مأخذه، ومنه ما يبعد، وأنا أذكر منه ما أحوجنا إليه هذا الباب واللفظ الذي شرعنا فيه منه، وأذكر نحوه الذي يقتضيه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

فممّا يقرب تصحيحه قول سيبويه في حتى: إذا نصبت الفعل أنّها تنصبه بإضمار أن، وذلك أنّ حتى على مذهبه من حروف الجر؛ لأنّ ما بعدها في الاسم مخفوض إذا كانت غاية، وذلك قولك: خرج القوم حتى زيد.

فإن قال قائل من أصحاب الكسائي: هلا أضمرتم بعد حتى إلى، وخفضتم زيدا به، كما حكينا عن الكسائي.

قيل: لا يجوز ذلك لبعده في التقدير، وإبطال معنى حتى، وذلك أنّ موضوع حتى في الأسماء أن يكون الاسم الذي بعدها من جملة ما قبلها، وأنّ حتى اختصّت به من بين الجملة؛ لأنه يستبعد فيه الفعل أكثر من استبعاده في سائر الجملة، كقولنا: قاتل زيد السباع حتى الأسد؛ لأن قتاله للأسد أبعد من قتاله لغيره، وكذلك تقول: استجرأ على الأمير جنده حتى الضعيف الذي لا سلاح له؛ لأنّ استجراء الضعيف الذي لا سلاح له أبعد في النفوس من استجراء غيره من الجند؛ فلو جعلنا مكان حتى إلى فقلنا: استجرأ على الأمير

<<  <  ج: ص:  >  >>