للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الوقتَ هذا المصحفُ الكريم، ولم يَعلَمْ مُنتهِبُه قَدْرًا له ولا قيمة، فدخَلَ به تِلِمْسينَ وعرَضَه على البيع، فأخبَرني الشَيخُ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه الله أنه رآه بيدِ سِممسارٍ يُنادي عليه بسُوق الكتُب بتِلِمْسينَ بسبعة عشَرَ درهمًا وقد ضاعت منه أوراقٌ، فأُنهِيَ خبَرُه إلى صاحب تِلِمْسينَ حينئذٍ أبي يحيى يَغمراسن بن زَيّانَ الزَّناتيِّ من بني عبد الواد (١)، وهو الذي قصَدَه المُعتضدُ أبو الحَسَن المذكورُ للدُّعاءِ له بالدخولِ في طاعتِه، فحين عَلِم به انتَزَعَه من يدِ الذي ألفاه عنده، وأمَرَ بصَوْنِه والاحتياطِ عليه، ولم يزَلْ بعدُ يطمَعُ به المرتضَى (٢) من بني عبد المؤمن، والمُستنصِرُ من بني أبي حَفْص صاحبُ إفْريقيّةَ (٣)، والغالبُ بالله أبو عبد الله بن يوسُفَ أميرُ الأندَلُس المدعوُّ بابن الأحمر (٤)، فلا يَحْلُونَ منه بطائل حتى تُوُفُّوا جميعًا في حياة أبي يحيى المذكور، فأورَثَه بَنِيه، فهو عندَهم إلى هذا التاريخ، وهو سنةُ اثنتين وسبع مئة، فهذه نُبذةٌ من التعريف بشأنِ هذا المصحف (٥).

فأمّا الترتيبُ الذي أشار إليه الشّيخُ أبو المُطرِّف بن عَمِيرةَ: فهو أنّ أُمراءَ بني عبد المؤمن كانوا إذا تحرَّكوا لغَزْوٍ أو سَفَر جَعَلوا أمامَهم بمقرُبةٍ منهم رايةً كبيرةً بيضاءَ يُعتامُ لها أتمُّ العِصِيِّ طولًا لتُرشِدَ إلى موضع السُّلطان من العسكرِ فيَهتديَ إليه من أراد قصْدَه -وهي التي عبَّر عنها أبو المُطرّف بقولِه: وأمامَهُ النُّور، وبقولِه: تتقدَّمُه رايةُ الحق، وبقوله: من بينِ يدَيْه- ويليها المصحفُ الكريم -وهو الذي عناه بقوله: بينَ يدَيْه الإمام- محمولًا على أضخم بُخْتيٍّ يوجَدُ وقد جُعِلَ في قُبّةِ حرير ارتفاعُها نحوُ عشَرةِ أشبار وعرضُ كلِّ وجه من وجوهِها الأربع


(١) ترجمته وأخباره في بغية الرواد ١/ ١١٧ وما بعدها.
(٢) ترجمة المرتضى وأخباره في جذوة الاقتباس (٢٨٤)، والبيان المغرب ٣/ ٣٨٩ وما بعدها، وفي غيرهما.
(٣) أخباره في تاريخ الدولتين (٣٢) (ط. تونس ١٩٦٦ م).
(٤) ترجمته في الإحاطة واللمحة البدرية (٣٠).
(٥) انظر في هذا المصحف العثماني أيضًا: المعجب (٣٢٦) (ط. القاهرة ١٩٦٣ م).

<<  <  ج: ص:  >  >>