للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العُدوة احتفلَ في الاعتناء بكُسْوتِه وأبدَلَها -وكانت من جِلد - بألواح مصَفَّحة بصحائفِ الذهب، وقد نَظَمَ في مواضيعَ منها لآلئَ نفيسةً وأحجارَ ياقوتٍ وزُمُرُّد من أرفع ما كان عندَه، ثم لم يزَلْ بَنُوه بعدَه يتَفنَّنُونَ في زيادةِ جليل الجواهرِ وفاخِر الأحجار على ما كان محُلًّى به حتّى استوعَبوا دَفَّتَيْه بذلك بما لا قيمةَ له ولا نظير، وكانوا أبدًا يُحضِرونَه في مجالسِهم في ليالي رمضانَ ويُباشِرونَه بالقراءةِ فيه ويُصفِّحونَ وَرَقَه بصفيحةِ ذهبٍ مستطيلة شِبهَ المِسْطَرة ويَستصحِبُونَه في أسفارِهم وحركاتِهم متبرِّكينَ به إلى أنِ احتَمَلَه معَه المعتضِدُ بالله (١) أبو الحَسَن عليٌّ ابن المأمون أبي العلاء إدريسَ ابن المنصور أبي يوسُفَ المذكور قبلُ على عادة سَلَفِه حين توَجَّه إلى تِلِمْسينَ آخرَ سنةِ خمسٍ وأربعينَ وست مئة فقُتلَ بمقرُبة من تِلِمْسينَ في آخرِ صَفَر سنةَ ستٍّ بعدَها (٢) وقَدِمَ مكانَه ابنُه أبو إسحاقَ إبراهيمُ ثم قُتلَ ثانيَ يوم تقديمِه، واختَلَّ الجيشُ ووَقَعَ النَّهبُ في خزائنِ السلطان واستولَتْ أيدي العرَب وغيرِهم على جميع مَن كان بالعسكرِ ممن لا قُدرةَ له على مُدافعةٍ عن نفسِه، فكان ممّا نُهِبَ


(١) أوسع مصدر في أخبار المعتضد بالله هذا هو البيان المغرب ٣/ ٣٥٨ وما بعدها (القسم الموحدي).
(٢) انظر المصدر السابق، ص ٣٨٥ وما بعدها، وقد جاء في "المسند" لابن مرزوق ما يلي: "ورأيتُ بخط المحدث التاريخي أبي القاسم التجيبي فيما ذيّله على تكملة ابن عبد الملك في هذا الموضوع قد كتب بحذاء ذكر المعتضد ما نصه: قرأت بخط أي علي بن منصور الجنب قال: سمعت الكاتب أبا الحسن الرعيني يقول: لما أراد المعتضد التوجه في الحركة التي قُتل فيها اجتمع إليه أهله وأولاده للوداع فدعوا له بأن يرده الله إليهم سالمًا فكان من قوله لهم: والله لا رأيتموني هنا أبدًا. قال: وأعجبُ من ذا أن علي بن عبد الله المغيلي كان يقول: وصل إليّ بربري من أهل أزمور في الحركة التي مات فيها المعتضد برقعة قديمة فيها مكتوب بخط قديم: يَقتُلُ الملك الأحمر البربري الأشتر، فكان الذي خرج إليه من الحصن الذي تحصَّن فيه يَغْمراسن وهو تامزردكت رجلٌ أشتر. قال: وكان يقال: من النوادر موت المعتضد وحده وكان جيشه نحو مئة وعشرين ألفًا. (المسند الصحيح الحسن ٤٦٢ - ٤٦٣).
قلنا: السفر الأول الموجود ليس من النسخة المذيلة للتجيبي ولهذا لا نجد فيها هذا التذييل، وقد وصل إلينا من هذه النسخة السفر الخامس والسفر السادس، وقد كانت بيد ابن مرزوق الذي ينقل عنها في المسند والمناقب المرزوقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>