للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: ٢٣]، ثم بعدَه أيضًا، ورأيتُ أثَرَ نُقطةٍ من دم على هذا الحرف: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: ١٣٧]، فسألتُ الذي رأيتُ المصحفَ عندَه: ما لهذه دارِسةً؟ فقال: ممّا يمسَحُ الناسُ أيديَهم بها، ورأيتُ أثَرَ مَسحِ الأيدي بيِّنًا وأثَرُ النُّقطة بيِّنٌ. انتهى المقصودُ من الواقع في صِفة مصحفِ عثمانَ بن عفّان رضيَ اللهُ عنه عند أبي بكرٍ محمد بن أحمد بن يعقوبَ بن شَيْبةَ المذكور، وقد ذَكَرَ -كما سمِعتَ- رؤيتَه مصحفَ عثمانَ بن عفّان وآثارَ الدّمِ فيه معيَّنةَ المواضع ومُبهَمتَها وتاريخَ رؤيته ذلك، ولا يُمكنُ أن يكونَ هذا الذي كان بالأندَلُس؛ لأنّه لم يطرَأْ على بني العبّاس ما يُخرِجُه عن أيديهم وُيصيِّرُه إلى الأندَلُس، ثم إنّ أثَرَ الدمِ في هذا الذي كان بالأندَلُس كان في الموضعَيْنِ المذكورين لا غيرُ، بخلافِ ما ذَكَرَ ابنُ شَيْبةَ. والذي يَظهَرُ لي -واللهُ أعلم- أنّ هذا المصحفَ الذي كان بالأندَلُس هو أحدُ المصاحفِ الأربعة التي بعَثَ بها عثمانُ بن عفّان رضي اللهُ عنه إلى الأمصار: مكةَ، والبصرة، والكوفة، والشّام، فإنْ يكنْ أحدُها فلعلّه الشّاميُّ استَصحَبَه الأميرُ أبو المُطرِّف عبدُ الرحمنِ الداخِلُ إلى الأندَلُس ابنُ مُعاويةَ بن هشام بن عبد الملِك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أميّةَ بن عَبْدِ شَمْس، وكان دخولُه إلى الأندَلُس غُرّةَ ربيع الأوّلى سنةَ ثمان وثلاثينَ ومئة، أو يكونُ ممّا بَعَثَت إليه أُختُه به من الذّخائرِ والتُّحَفِ والهدايا التي كانت تُوالي توجيهَها إليه من الشام، أو يكونُ ممّا اجتُلِبَ إلى غيرِه من ذُرِّيتِه، واللهُ أعلم. ويؤيِّدُ ما ذهبتُ إليه من ذلك أنّ مقدارَ حَجْم الذي وَصَفَه أبو بكر بنُ شَيْبةَ حسبَما تقَدَّم إيرادُه مخالفٌ مقدارَ حَجْم الذي كان بالأندَلُس، فقد وَصَفَ لي جماعةٌ ممن شاهدوه وباشَروه منهم شيخانا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ وأبو زكريّا يحيى بنُ أحمد بن عَتِيق رحمَهما الله وغيرُهما فاتَّفَقوا على أنّ طُولَه دونَ الشِّبر، وأن أسطارَه دون العشَرة، فاقتضَى ذلك أنّ أوراقَه أكثرُ من أوراقِ الذي وَصَفَ أبو بكر بنُ شَيْبة، وقد ذَكَرَ لي واصِفوهُ المذكورونَ أنه كان ضخمًا لكثرةِ وَرَقه، وذَكَرَ لي بعضُهم أنه عايَنَ المعوِّذتَيْن في صفحتَيْنِ منه كلُّ واحدةٍ منهما في صفحة، ولمّا أجازَهُ أبو محمدٍ عبدُ المؤمن إلى بَرِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>