للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونُفِّلْتَه من كلِّ مَلْكٍ ذخيرةً ... كأنَّهُمُ كانوا برَسْمِ مكاسِبِهْ

فإنْ ورِثَ الأملاكَ شرقًا ومغرِبًا ... فكم قدْ أخلُّوا جاهلينَ بواجِبِهْ

وألْبَسْتَهُ الياقوتَ والدُّرَّ حِلْيةً ... وغيرُك قد رَوّاهُ من دمِ صاحِبِهْ (١)

وقد أكثَرَ شعراءُ دولةِ أبي محمدٍ عبد المؤمن وبَنيه بعدَه من هذا المعنى، وتواطَأَتْ أقوالهُم بناءً على معتَقداتِهم أنه مصحفُ عثمانَ بن عفّان الذي كان بين يدَيْه حين استُشهِد رضيَ اللهُ عنه، ويَذكُرونَ أنّ دَمَه كان منه بموضعَيْنِ: أحَدُهما: قولُه سبحانَه: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: ١٣٧]، والثاني: قولُه تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} [الأعراف: ٧٧]. وهذا كما تراه ظاهرُ التصنُّع، وهو -واللهُ أعلم- غَلَطٌ بيّن تَبِع فيه بعضُ الناس بعضًا، فإن المتقرِّرَ من شأنِ مصحفِ عثمانَ بن عفّان أنه ضاع بالمدينة في بعضِ الفِتن الطارئة عليها، ولكنّ أبا بكرٍ محمدَ بن أحمد بن يعقوبَ بن شَيْبةَ بن الصَّلْت بن عُصفُورِ بن شَدّاد بن هَمْيَانَ السَّدُوسيَّ مولاهم، قال: رأيتُ بخطِّ جَدِّي يعقوبَ بما أجازه لي، ثم حدَّثني به أبي أحمدُ بن يعقوبَ بَعْدُ عنه: حدّثني أبي، قال: حدّثني أبي: رأيتُ الإمامَ مصحفَ عثمانَ بن عفّان رضيَ اللهُ عنه وأرضاه في شهر ربيع الأوّل سنةَ ثلاثٍ وعشرينَ ومئتَيْن قد بَعَثَ به أبو إسحاقَ أميرُ المؤمنين وهو المُعتصم بالله ابنُ أميرِ المؤمنينَ أبي جعفرٍ هارونَ الرَّشيد لتُجَدَّدَ دَفّتاهُ ويُحَلَّى، فشَبَرتُ طولَ المصحف فإذا هو شِبران وأربعُ أصابع مفرَّقة، وعدَدْتُ سطورَ بعض وَرَق المصحف فإذا في الوَرَق ثمانيةٌ وعشرونَ سطرًا، ورأيتُ أثَرَ دمٍ فيه كثيرًا في أوراقٍ من المصحف كثيرة، بعضُ الوَرَق قَدْرُ نصفِ الوَرَقة وبعضٌ قَدْرَ الثُّلُث، وفي بعض الوَرَق أقلُّ وأكثر، وعلى أطرافِ كثير من الوَرَق، ورأيتُ عِظَمَ الدّمِ نفسِه في سُورة (والنجم) في أول الوَرَقة كأنّه دمٌ عَبِيط أسودُ على {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا


(١) الأبيات في التكملة، وأعادها المؤلف في ترجمته، وهي كذلك في مستفاد الرحلة وفي المسند الصحيح الحسن لابن مرزوق (٤٥٦ - ٤٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>