للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو العبّاس القورائيُّ ببَذائهِ المشهورِ عنه كثيرَ الاجتراءِ عليه والنَّيل منه، حتى انتَهى إلى أن قال مُعرِّضًا به [من الرمل]:

قَيْنةٌ في فاسَ تُدعى عَمرةَ ... ذاتُ حُسن ودلالٍ وخَفَرْ

نَصِفُ السنِّ ولكن يُرتجَى ... ردُّما فات بتسويدِ الشّعَرْ

قلْ لها عنّي إذا لاقيتَها ... قولةً تَترُكُ صَدعًا في الحَجَرْ

هبْكِ كالخنساءِ في أشعارِها ... أو كليلى هل تُجارينَ الذَّكَرْ

نَبَغت عمرةُ بنتُ ابنِ عُمر ... هذه -فاعتبروا- أُمُّ العِبَرْ

فكان أبو حفصٍ لسموِّ همّتِه وعلوِّ منصبِه يُعرِض عنه ترفّعَا عن مُقاولتِه، وأنفةً منَ الانحطاط إلى مُشافهتِه، وفي شأنِه معَه يقولُ أبو حفص [من المتقارب]:

نهانيَ حِلمي فما أظلِمُ ... وعزَّ مكاني فما أُظلَمُ

ولابدَّ من حاسدٍ قلبُهُ ... بنور مآثرِنا مُظلِمُ

رحِمتُ حَسُودي على أنهُ ... يعذّبُ فيّ ثم لا يرحَمُ

بَغانا الحَسُودُ فلسنا كما ... يقولُ ولكن كما يعلَمُ

وبَلَغت هذه القطعةُ أبا العبّاس فقال: والله ما أعلمُ خبرَه، [وبَلَغَ قولُه] إلى أبي حفص فقال: ذلك ممّا يقول، أي: ليس مما يعلَم، ثم إنّ [أبا العبّاس رأى عند، أبي حفصٍ نُسخةً من "السِّيَر النبويّة" كانت ممّا صحَّحها أبو حفص [وأحسَنَ ضبطَها] وأتقَنَ تقييدَها، فاستَوْهبَها منه فوَةبَها له، فكان أبو العبّاس [بعدَها إذا جَرى] ذكْرُ أبي حفص يقولُ فيه: رَيْحانةُ القُضاة.

وكانت له سُرِّيّة، ثم أهدِيَتْ [إليه] وَصيفة تُعرَفُ أنها بنتُ تلك السُّرِّيّة، فكتَبَ إلى مُهدِيها إليه بعدَ صَرْفِها عليه [من الكامل]:

يا مُهْدِيَ الرشإ لذي ألحاظُه ... تركَتْ فؤادي نصبَ تلك الأسهمِ

إنّ الغزالةَ قد عَلِمنا قبلَها ... سرَّ المَهاةِ وليتَنا لم نعلمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>