وغيرُه من جِلّة الطّلبة ونبهائهم، [فكان] أبو حَفْصٍ أحدَّنا ذهنًا وأصوَبَنا نظرًا وأسبقَنا [إلى الفَهْم والإجابة] وكان أديبًا شاعرًا مطبوعًا، كاتبًا بارعًا، مُمتِعَ [المجلس فَكِهَ المُحاد] ثة، قديمَ النَّجابة جيِّدَ الخَطّ، وغلَبَ عليه الأدبُ حتى عُرِف به.
[فمِن شعرِه] المُطرِب: قولُه [من الوافر]:
[همُ نَظَروا] لواحظَها فهاموا ... وتَشرَبُ عقلَ شاربِها المُدامُ
[يَخافُ] الناسُ مُقلتَها سواها ... أيُذعِرُ قلبَ حامِلهِ الحُسام؟
[سَمَا] طرفي إليها وهْو باكٍ ... وتحتَ الشمس ينسكبُ الغَمامُ
وأبصرُ قَدَّها فأنوحُ شوقًا ... على الأغصانِ تَنتدبُ الحمامُ
وأعقَبَ بَيْنُها في الصَدرِ غمًّا ... إذا غَرَبتْ ذكاءُ أتى الظلامُ
وخرَجَ في صِغَرِه معَ أبيه من مدينة فاسَ إلى لقاءِ أبي محمدٍ عبد المؤمن بن عليّ في بعض قَدماتِه عليها، فلقِيَا القاضيَ أبا يوسُفَ حَجّاجًا (١) فسَلّما عليه، فسأل القاضي أباه عنه قال: من الشابُّ؟ فقال أبوه: عبدُكم ابني، فسأله: هل قرأَ شيئًا؟ فقال: نعم، ويَقرِضُ الشِّعر، فقال له القاضي أبو يوسُف: أجِزْ -وكان ذلك عندَ الأصيل وقد بانَ تأثيرُ الشمس في وجهِ أبي حَفْص-[مخلع البسيط]:
* وَسَمَتْك الشمسُ يا عُمرُ *
فأجاز بديهة بقوله [من مخلع البسيط]:
...................... ... سمةً لنا فيها عِبَر
عَرَفَتْ قَدرَ الذي صنَعَتْ ... فأتَتْ صفراءَ تعتذرُ
فاستَنْبَلَه القاضي وعَدَّ ذلك من مُستغرَباتِه.
(١) هو القاضي حجاج بن يوسف الهواري، قاضي الجماعة بمراكش وخطيبها، مترجم في تكملة ابن الأبار (٧٦٢).