للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كم رامَ كتمانَ المحبَّةِ جَهْدَهُ ... ودموعُهُ يبدو بها كتمانُهُ

وإذا المُحِبُّ طَوى حديثَ غرامِهِ ... طيَّ الضلوع وَشَتْ به أجفانُهُ

سيّدي، قد مدَدْتُ أطنابَ الإطالة في غيرِ طائل، واستَمدَدْتُ (١) طبعًا غيرَ معينٍ ولا سائل، ولستُ أمتَري في أنّي أُسْئم سَمْعَكم وأُمِلُّه، وأُقدِمُ [١٠٨ ظ] من هذا الهَذْرِ عليه بما أنزِّهُه عنه وأُجِلُّه، وعلى ذلكم فلا بدَّ أن أعودَ إلى ذكْرِ خطابِكم الذي حَلَّأ الخَطْب، وحلّى اللؤلؤَ الرَّطْب؛ وتجَلَّى بينَ سيّئاتِ الزّمان حَسَنة، وتَحلَّى من محَاسنِ البيان ما لا يُوفي في المادحَ ببعضِه ولو أعمَلَ المدحَ سَنة، فقد تضمَّن أصُولًا وجَبَتْ إجابتُها، وإن حَجَبَتْ مَهابتُها، وتعيَّنَ التقصِّي عن عُهَدِها، وإن تبيَّنَ العَجْزُ عن تقصِّي أمَدِها، منها: أنكم عَجِبتُم منِّي حيث ضَنَنْتُ برُقعة أقرِنُها بالمخاطَبة الخَلاصيّة العَلِيّة، وأُودُعها ما تعورِفَ بينَ الأصفياءِ من إنهاءِ المودّةِ وإهداءِ التحيّة، فطَوْرًا خِلتُموني مكتفِيًا بالنِّيابة، ولو ابتَدأتُم بنافلةِ الكتابِ لَقُلتُ بفَرْض الإجابة، وتارةً عَرَضَتِ التأويلاتُ الفِقْهيّة، وفُرِضَتِ المسألتانِ: الحُجِّيةُ والسَّهويّة، فرأيتُم أولًا: أنّ الكتابَ يُجزئُ عن متولِّيهِ من الجانبَيْن، وتوهَّمتُم ثانيًا: أنّي أردتُ قضاءَ الواجبَيْن، وصَيَّرتُه كالعامل يعملُ عمَلَيْن، أو الفاعلِ يتَعدَّى فعلُه إلى اثنَيْن، أو اللّفظِ يقَعُ باشتراك على معنيَيْن، وكلُّ ذلكم -وَصَلَ اللهُ نَفاسةَ كمالِكم- لم يكنْ، وإهمالُ حقِّكم الأكيدِ الوُجوب لم يَسْهُلْ قطُّ عليَّ ولم يَهُنْ، ولكنّي ابتَدرتُ الخِطاب، وآثَرتُ الاقتضاب، فانزَعجَ الرَّقّاصُ (٢) قبلَ أن يقتضيَ كتابي في سَيْرِه، وضمِنَتْ هذه الوِزارةُ أن يتوجَّهَ بعدُ معَ غيِره، ولو ذهَبْتُ إلى ما أشَرتُم إليه من الاجتزاءِ والاقتصار، لأثبَتُّ تحيّتي عقِبَ تلك الأسطار، مُقترنةً بالاعتذار، ولكنّكم عجَّلتُم عليَّ بالعَتْب، ونسَبْتُم إليّ ما لم أَجْنِهِ من الذنب، ولا تثريبَ فقد حصَلَ المطلوب، وكل ما يفعلُ المحبوبُ


(١) غير واضحة في النسخ، وفي ح: واستنبذدت، وفوقها علامة خطأ، ولعل ما أثبتناه هو الصواب.
(٢) الرقاص أو الركاض: الذي ينقل البريد.

<<  <  ج: ص:  >  >>