للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رياضٍ راقَتْ رُواءً ولكنْ ... حين رَقَّ الحَيا لها فأراقا

رَقَّ فيها النَّسيمُ فهْو نَسيبٌ ... قد سَبَى رِقّةً نفوسًا رِقاقا

وثَنَى للغُصونِ منها قُدودًا ... فتلاقَى تصافُحًا واعتناقا

كلَّما هَبّ من صِباهُ عليلٌ ... وتداوَى بها العليلُ أفاقا

حَكَمَ السَّعدُ بالأحبّةِ فيه ... بكؤوسِ الوِصالِ أنْ تتساقَى

ثم كرَّتْ للدهرِ عادةُ سَوْءٍ ... شقَّ فيها خَطْبُ النَّوى حينَ شاقا

شتَّتَ الشمْلَ بعدَ طُولِ اجتماعٍ ... وسَقَى للفراقِ كأسًا دِهاقا

وأعادَ الأوطانَ قَفْرًا ولكنْ ... قد أعاد القُطّانَ منها الرِّفاقا

ليتَ شِعري والعِيسُ تَطوي الفَيافي ... أشَآمًا تَنوي بنا أم عِراقا

يا حُداةَ الحَمُول رِفقًا بصَبٍّ ... بلَغَتْ نفْسُه السياقَ اشتياقا

آهِ من شجْوهِ وآهٍ لبَيْنٍ ... ألزمَ النفسَ لوعةً واحتراقا

هذه يا سيِّدي استراحةٌ من فؤاد وَقَذَتْهُ الفُرْقَةُ والقَطيعة، واستباحةٌ لحِمَى الوَقار بما لم تَحْظُرْهُ الشريعة، فقديمًا تُشوكيتِ الأحزان، وتُبوكيتِ الأوطان، وحَنَّ المشتاق، وعنَّ له من الوَجْد ما لا يُطاق، فاستَوقفَ الرَّكبَ لشكوى البلابل، واستوكفَ السُّحبَ لسُقْيا المنازل، وفدَّى الركبَ وإن زادَه كَرْبًا (١)، ومَنْ له أن يُكِبَّ لائمًا له تُربًا، حسبُه دموعٌ تَفيضُ مجاريها، ونجومٌ يُساهرُها ويُساريها [الكامل]:

ألِفَ السُّهادَ فشأنُهُ إدمانُهُ ... واستَغْرقَتْ أحيانَهُ أَشجانُهُ

وشكا جَفاءَ الطَّيفِ إذْ لم يأتِهِ ... هل مُمكنٌ مالم ينَمْ إتيانُهُ

واستعبَدتْه صَبابةٌ وكذا الهوى ... في حُكمِه أحرارُهُ عِبدانُهُ


(١) من قول المتنبي:
فديناك من ربع وإن زدتنا كربا ... فإنك كنت الشمس للشرق والغربا

<<  <  ج: ص:  >  >>