وأزمَعَ النأْيَ عن أحبَّتِهِ ... والبينَ عن دارِه التي رَئما
وما دَرى أنه بعزمتهِ ... أشعَلَ للبينِ في الحشَا ضرَما
وهل جَرى ذاك في تصوُّرِهِ ... فربّما أحدَثَ الهوى لَمما
إنْ هيَ إلّا نَوًى مُشتِّتةٌ ... شَمْلًا من العيشِ كان منتظِما
وعاذلٍ قال لي يُعَنِّتُني ... لا تُبْدِ فيما فعلتَه نَدَما
قلتُ له: هل رأيتَ قَبْليَ مَنْ ... فارَقَ أوطانَهُ فما نَدِما
لا حيلةٌ في يدِي فأُعمِلَها ... عَدْلٌ من الله ما بهِ حَكَما
أمَا إنّ القلبَ لو فهِمَ حقيقةَ البَيْن قبِلَ وقوعِه، وعَلِم قَدْرَ ما نفَثَ من الرَّوع في رُوعِه، لَبالغَ في اجتنابِه، واعتَقدَ المُعفَى عنه من قَبِيل المعتنَى به، ولَحا اللهُ الأطماعَ فإنّها تَستدرِجُ المرءَ وتَستجِرُّه، وتَستخرجُ حين تُعرِبُه ما يَسُرُّه، ما زالت تَفتِلُ في الذِّروة والذِّروة، وتختِلُ بالترغيب في الجاهِ والثروة، حتّى أنأَتْ عن الأحبابِ والحبائب، ورَمَتْ بالغريبِ أقصَى المغارب، فيا لَوحشةٍ ألوتْ بإيناسِه، ويا لَغُربَةٍ أحلَّتْه في غيرِ وطنِه وناسِه، ويا عَجَبًا للأيام وإساءتِها، وقُربِ مسَرّتِها من مساءتِها، كأنّها لم تُتحِفْ بوِصَال، ولم تُسعِفْ باتصال، ولم تُمتِّعْ بشباب، ولم تَفتَحْ لقضاءِ أو طارِ النفس كلَّ باب [الخفيف]: