للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيدي، حالُ أخيكم هنا على ما يُرضي كمالَكُمْ عافية، ونعمةً شافية، وأنا إلى جوابِكمْ ناظر، وبه إذا وَقَعَ إلي طائر، واللهُ يُطيلُ بقاءكم، ويحرُسُ إخاءكم.

فأجابَه شيخُنا بهذه الرِّسالة [الكامل]:

وافى الكتابُ وقد تقَلَّد جيدُهُ ... ما أنت مُحْسِنُ نَظْمِه ومجيدُهُ

من كلِّ معنًى ضِمْنَ لفظٍ في حُلى ... خطٍّ يَزينُ طُلى الطُّروسِ فريدُهُ

أأبا المُطَرِّف دعوةً من خالصٍ ... لعُلاكَ غائبُ وُدِّهِ وشهيدُهُ

أنت الوحيدُ بلاغةً وبَراعةً ... ولك البيانُ طريفُهُ وتَليدُهُ

فالنَّثرُ أنت بديعُهُ وعمادُهُ ... والنظمُ أنتَ حبيبُه ووليدُهُ (١)

إيه أيها السيد الذي جلَّتْ سيادته، وحلّت صميمَ الفؤادِ ودادته، دامت سعادته، وهامت بما ينفع الناس عادته، أُلقي إليَّ كتاب كريمٌ خَطَّتْه تلك اليُمنى التي اليُمنُ فيها تَخُطُّه، ونُسِقَتْ جواهرُ بيانِه التي راقَ بها سِمْطُه، فلا تسألوا عن ابتهاجي بأعاجيبِه، وانتهاجي لأساليبِه، وشِدّةِ كَلَفي بالتماح وسيمِه، وجِدّةِ شَغَفي باسترواح نسيمِه، فإنهُ قَدِمَ وأُنسُ النفسِ راحلٌ فاستعادَه، وسَجْمُ ورَوْضُ الفِكرِ ماحِلٌ فجادَه، لا جَرَمَ أنه بما حَوى من حُرَق النَّوى، ورَوى من طُرُق الهوى، وبكَى للرَّبع المُحِيل، وشكا من صائح الرَّحيل، هيَّجَ لواعجَ الأشواق وأثارَها، وحرَّك للنفسِ حوارَها، فحَنَّت (٢)، واستوهَبَ العَيْنَ مِدرارَها، فما ضَنَّت، فجاشَتْ لوعةٌ استكَنَّت [١٠٧ ظ] وتلاشَت سَلْوةٌ عنَّتْ، ووَكَفَ دمعٌ كَفّ، وثَقُلَ عَذْلٌ خَفّ، واشتَدَّ الحنين، وامتدَّ الأنين، وعلا النَّحيبُ، وعَرَا الوَجِيب، والتقَى الصب والحين، ودَرَى المُحبُّ قَدْرَ ما جناه البَيْن، وطالما أعمَلَ في احتمال المشاقِّ عزيمَه، وشدَّ لاجتيابِ الآفاق حيَازيمَه [المنسرح]:


(١) ورّى ببديع الزمان والعماد الأصفهاني وحبيب أبي تمام والوليد أبي عبادة البحتري.
(٢) من المثل: "حرك لها حوارها تحن".

<<  <  ج: ص:  >  >>