للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندي أحسَنَ من النارِ في عين المقرور، ومنَ الماء في كبدِ المحرور، وأعجَبَ من ضياءِ الصُّبح لاحَ لممنوع الكَرى، ومن سوادِ اللّيل أخفَى كَلِفًا بالسُّرى، وعجَبًا لسيِّدي! ضَنّ برُقعةٍ منه خاصّة، وحِصّةٍ فيه لَجناح الهمِّ حَاصّة، أفَتَرى قلَمَه اكتفَى بما فيه ناب، أم تذكَّر الخَطيئةَ فخَرَّ راكعًا وأناب؟ فللمُعترِض أن يقول: هذه الصُّورة، كما إذا حجَّ عن غيرِه الصَّرورة، فإنّ بعضَ من يحتَجُّ، يقول: إنه يقَعُ الحَجّ، ولكنَّ قلمَه أعرَبُ بالاستدلال، وأغوَصُ على حَلِّ الإشكال، فيدَّعي أنّ الكتابَ يقضي الواجبَيْن، ويقَعُ على الجانبَيْن، قيل لبعض الشافعيّة: أيُعيدُ السجودَ من ظَنَّ سهوًا فسَجَد، ثم تذَكَّر على الأثَر أن السَّهوَ ما وُجِد؟ فقال: أنا للإعادةِ ناف، وذلك السُّجودُ عن نفسِه وعن غيرِه كاف، فسألوهُ الدلّيلَ مُعنِّتِين، فقال: اعتبِروا حالَ الشّاةِ من الأربعين.

إيهِ يا سيِّدي! كيف أنتم بَعدي، وهل عندَكم على النَّأي وَجْدٌ كوَجْدي؟ وما عندَكم في رَسيسِ الحُبّ، وأشواقِ المحبِّينَ بحِسْبِ البُعدِ والقُرب؟ فذلك معنًى تنازعَتْه الشُّعراء، واختَلَفتْ فيه الآراء، وقد دبَّرتُم الأمرَيْن، وذُقتُم الطَّعمَيْنِ المُرَّيْن، وما رأيُكم في المقام هنالك، فإنّ له غُصّة، أو التقدُّم وهل تمُكنُ فيه فُرصة؟ والبَنُونَ والجُملة، كيف حالُهم تفصيلًا؟ فالجُملةُ معلومة، وحياةٌ مطلَقة فإنّ الطِّيبةَ منها معدومة، وما فعَلَتْ أبياتُ ازُمّور؟ [١٠٧ و] وهل وَجَدَ نَقْرُها زَمْرًا، أم لقِيَ زَيْدُها عَمْرًا، أم هي بالعراء، تنادي بالوَيْلِ على الشِّعرِ والشُّعراء؟ وقد نَفَثَ الخاطرُ بأبيات، لها صوتٌ لمعناها مُوات، وهي [المنسرح]:

صاحَ بهمْ صائحُ الرحيلِ فما ... منهمْ على البَيْن واحدٌ سَلِما

وجاشَ بالرَّوْع عُقْرُ دارِهمُ ... منْ بَعْدِ ما كان سرْ بهمْ حُرِما

فهمْ عباديدُ في البلادِ ولا ... شَمْلَ لفَلِّ الخطوبِ منتظِما

قد أقسَمَ الدهرُ أن يمزِّقَهُمْ ... وجَنَّبَ الحِنْثَ ذلك القَسَما

يا سائلي عن بُكايَ بعدَهُمُ ... بكَيْتُ دمعًا حتى بَكيتُ دَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>