للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البازغةُ تَسطُع، وآياتُ بَراعتِه بالحِكَم البالغة تصدَع، كتَبَ مقتبِسُ أنوارِ إفادتِه، وملتمِسُ الزُّلفى بأداءِ حقِّ سيادتِه، المؤثَرُ المبتدَر لتمشيةِ إشارتِه وتوفيةِ إرادتِه فلان؛ وقد وافاني أيها العَلَمُ الذي سحَرتْ نفائسُ أنفاسِه، وتفخَرُ الطُّروسُ بلطوخ أنقاسِه، من قِبَلِكم كتابان (١) استبَقَا على نَسَق، بل شِهابانِ ائتلَفا في غَسَق، أمّا أحَدُهما فأشار إلى تقدُّم خطابٍ لم أحظَ لعَدَم البَخْت بتَلاق، وأثار بذكْرِ الرسالة النُّونيّةِ النُّورِيّة كوامنَ أشواق، ومَن لي أن تسمحَ الأيامُ بلقائها، أو تسنَحَ سانحة قَبولٍ من تِلقائها، حتى أتوسَّم مشرقَّ محُيَّاها، وأتنسَّمَ عبَقَ رَيّاها، وأتنعَّمَ بإدالةِ قُربِها من نَواها، وأتعلَّمَ إعجازَ الصدورِ والإعجاز من فَحْواها؛ ليتَها ورَدَت فسَرَدت جوامعَ البيان، وبهَرَت مداركَ السَّمع والعِيَان، فلقد قَضَتْ للنُّون بالشُّفوف، وأحظَتْها بالمَزِيّة على سائرِ الحروف، فطار ذكْرُها في الآفاق، وفاق قَدْرُها في الأعلاق، وترفَّعت عن الميم وهي مُؤاخيتُها في الجَهْرِ والغُنَّة، وادَّعَتْ فما نُوزعتْ أنّ لها في [١٠٦ و] ذواتِ الإعجام حَوْزَ الزعامة وقَوَدَ الأعِنّة؛ وبالتفاتِ سيِّدي إياها فازَت بهذا الشَّرف وحُقَّ لها؛ وامتازتْ عن نظائرِها من الأحرُف حين استعمَلَها؛ وأمّا الآخَرُ فإنه جَلا صُوَرًا تُحرزُ الجمالَ والحُسن، وتلا سُوَرًا تُعجِزُ المصافعَ اللُّسْن، وأهدى دُرَرًا يحِقُّ لها الادّخارُ والخَزْن، وكسا حِبْرًا لم يُخلَعْ مثلُها على الرَّوض المُزْن؛ حقًّا! إنّ سيِّدي وله الفَضْلُ والمنّ، ألقَى عليّ حُلى نفاستِه التي بمثلِها يُنْفَسُ ويُضَنّ، وعَزَا إليّ علا رياستهِ التي على غير أعطافِه لا تُسَنّ، فلو حَسُنْتُ بنفسي ظنًّا، وانتَحَلْتُ ما عليّ خَلَعَهُ ممتنًّا، لقيل: "بكَى الخَزُّ من رَوْح" (٢)، وشَدَا الحَمامُ في غير دَوْح، ومَنْ لي بمجاراةِ مَنْ حَوى مدى الحَلبةِ متوهِّلًا فلم يُدْرَك، ومساماةِ من تبوَّأ عليَّ الرُّتبةِ متأهلًا فلم يُشرَك؟ أمَا إنّ الفِكرَ دونَ مُداناة أدنى


(١) كتابان: سقطت من م ط.
(٢) اقتباس من قول الشاعرة حميدة بنت النعمان بن بشير:
بكى الخز من روح وأنكر جلده ... وعجت عجيجًا من جذام المطارف

<<  <  ج: ص:  >  >>