للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عميدُ العِلم وقَريعُه، وعمادُ العصرِ وبديعُه -اتّبعَتِ العلماءُ أعلامَه، وأُشعِرتِ العظماءُ إعظامَها- باستبداعِها على بُعْدِ انتجاعِها، وضَعْف انتزاعِها، وعَدَم اضطلاعِها، عَملٌ بمعلوم مَعْلاتِه، ووضعٌ للصَّنيعة عند عارفٍ بعارفةِ مَسعاتِه، وشَفَعَها بعقيلتِه (١) الرافعة لأشعّتِها العيون، المُودَعةِ عيونًا ينقطع عنها المدَّعون، إنعامٌ لإنعامِك شافع، وإسعادٌ لعلم السعادةِ رافع، فعجِّل مُنعِمًا برُقعتِها الرفيعة، وأنعِمْ [١٠٤ ظ] مُعجِلًا بطلعتِها البزيعة، ليعاودَ العمرُ عندي مَيْعَه، وتجمَعَ بيعتَيْنِ بسَعْيِك الناجع بَيعَه، وأدعو لسميع الدعاء الصاعد، المطَّلع على الأعمالِ والعقائد، العليم بإعلانِ المعلَن وعَقدِ العاقد، ليُعينَك بالسعاداتِ المُسْعِدة، ويُمتِعَكَ بمَعْلُوّاتِك المتعدِّدة، ويُسعدَك بعَوارفِه المتعهِّدة، بعِزّتِه وعميم نعمتِه، وتُعانقَ عِرَاصَك متعطِّرةٌ يستعيرُ العبيرُ ضَوْعَها، ويعدَمُ عبقُ العَرْف العليل نوعَها، متعاقبةً تعاقُبَ الأعصار، متتابعةً تتابعَ ساعات الأعمار.

ولمّا وقَفَ الأعلامُ المسَمَّوْنَ في هاتَيْن الرسالتَيْن على الرسالةِ الأولى من رسالتَيْ شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْني، أنشَأَ الكاتبُ الأبرع أبو المُطَرِّف بن عَمِيرةَ رسالةً التزمَ في كلِّ كلمة منها النّون -باعتبار الرُّعَيْني وابنِ الجَنّان- وهي التي استَدعَى شيخُنا أبو الحَسَن بقوله: "بعقيلتِه الرافعة لأشعّتِها العيون" الفَصْلَ من أبي عبد الله ابن الجَنّان، ثم كتَبَ في التماسِها إلى أبي المُطَرِّف الكتابَ الآتيَ بعدَ إثباتِ هذه الرسالةِ النُّونية -إن شاء اللهُ تعالى- فقطَعَ عن بَعْثِها إليه ما طرَأَ في الجزيرة منَ اختلال، وتفرُّقٍ كان لغير اتّصال، ولم يُقْضَ اتّصالُ شيخِنا أبي الحَسَن إلا من قِبَلي، حسبَما تعرَّفتُه منه فيما ذَكَرَ لي، وذلك في سنة خمسٍ وخمسينَ وست مئة.

وهذه الرسالةُ النُّونية من إنشاءِ أبي المُطرِّفِ رحمه الله [الطويل]:

محاسنُ دنيانا تَبينُ لناظرٍ ... يُنَقِّبُ عنها مُستَبِينًا لِعَيْنِها

نجيبُ الرُّعَيْنيِّينَ مارنُ أنفِها ... ونَدْبُ بني الجَنّانِ إنسانُ عينِها


(١) هي رسالة أبي المطرف التي التزم فيها حرف النون، وسيوردها المؤلف بعد الانتهاء من هذه الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>