للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضعَفَتْ عضُدَ الجَعْديِّ وساعدَه، وفَرَّعت بالعراق جَمْعَ الشّعراء، ورفعَتْك على العُظَماء، وعظَّمتْك عند العلماء، وأشعَرَتْ بعجيبِ مَنازِعِك، وشَرعتْ تعنيفَ مُنازعِك؛ فبعيدٌ على الشاسع عن الصّنعة المتباعِد، الراجع عن النُّجعةِ بعُرْقوبِيِّ المواعِد، شروعٌ بشرائعِك العَذْبة، وتشرُّعٌ بشرائعِك الصَّعبة، أيُعادَلُ المستضعَفُ بالمستطيع، ويُعدُّ المستعصي كالمُطيع، ويُجعَلُ العُصفورُ كالعُقَاب، والعَيْر كأعوَجِيِّ العراب؟ فاربَعْ على الأتباع، يا قاطعَهم عن الاتّباع، باتّساع الباع، وإمعانِ المَلعانِ (١) والإسراع، فبتواضُعِك ترفَعُنا، وبموضوعاتِك تنفَعُنا، وبعُراك اعتلاقُنا، ولعُراك إعناقُنا، ومعارفُك أعرفُ المعارف، وعلوُّ علومِك مُعْتَقَدُ الظاعنِ والعاكف، ونَبْعَتُكَ ممتنعٌ عُودُها عن العَجْم، ورِفعتُك عالٍ عمودُها عند العَرَب والعُجْم، فرَعْتَ الأعلامَ فرُعْتَ العوالم، وتعبَّدتَ المعاليَ فعبَّدْتَ المعالم، وطُبعتَ على طِباع الانطباع، وطَبَعتَ عَسْجدَ الصناعة عُقودًا لأعناقٍ وَرُعْثًا (٢) لأَسماع، وأعطاك عُطارِدٌ مستطاعَه (٣)، ودَعَاهُ داعيكَ فأطاعَه، فأطلعتَها كاعبًا لَعُوبًا، وعَروسًا لَعُوبًا (٤)، عراقيّةَ الطبائع، مُعْرِقةَ البدائع، عَنَتِ العيونُ لطلعتِها، وتتلَّعتِ الأعناقُ لتلعتِها. وبَعْدَ عِلْمِنا بتبرُّع براعتِك بإطلاعِها، وترجيع العُبَيْديِّ والعوديِّ معبَدَ سَماعِها، اعتمدَتْنا عَيْنُها الثُّعليّة (٥)، وأسعدَتنْا بمُعاينتِها عنايتُك العَلِيّة، فعميدُنا العَمِيريُّ، ورفيعُنا النُّعماني، وبديعُنا العُشْبِيّ (٦)،


(١) الملعان: الإسراع في السير.
(٢) الرعث: جمع رعاث وهو ما تقرط به الأذن.
(٣) من خصائص عطارد عندهم في البنية حسن القامة وحسن النطق، وفي الأخلاق الذكاء والفطنة والحكمة والسكينة والوقار والعطف والرأفة والثبات في كل أمر ورعاية الحق ... إلخ.
(٤) كذا، ولعلها: عروبا.
(٥) المنسوبة إلى بني ثعل وهم مضرب المثل في الرماية.
(٦) هؤلاء من أدباء الأندلس المعاصرين حينئذ لإبن الجنان؛ فالعميري: هو أبو المطرف بن عميرة، والنعماني: لعله عمر بن عيسى بن النعمان وبينه وبين أبي المطرف مراسلة، والعشبي: يشير إلى غير واحد من المشتغلين بالأعشاب أو علم النبات وأشهرهم ابن الرومية.

<<  <  ج: ص:  >  >>