للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسْرةً على تفريطٍ حَرُّهُ يتَّقدُ على الأحشا، ونَدَمًا على أملٍ أخشَى أن يُفصَلَ بين قليبِه والرَّشا، وكيف أَلذُّ حياةً (١)، أو آمَنُ من الخطوبِ بَياتًا، ولم أعبُرْ لزيارتك سَبْسَبًا ولا لُجّة، ولا أقَمتُ على دعوى الشّوقِ إليك بُرهانًا ولا حُجّة، ولا أحرَمْتُ لحَرَم الله وحَرَمِك، ولا مدَدْتُ يدَ الافتقارِ فيه إلى كرَمِك؟! بعيدٌ على دعوى المحبّة أن تَصِحّ، وعلى خُلَّبِ العَزْم يَشِحُّ أنْ يَسِحّ، وإلّا فعِنانُ البَطَل خَوّار، والمُحبُّ إذا ما اشتاقَ زَوّار، ولعلّ العاجزَ يقولُ قولًا يُظهِرُ فيه مَجازَه، وكم دونَه من مَهْمَهٍ ومفازَة، أو يتأوّلُ جَليَّ النصُوص، ويتمثَّل: فكم أرض جَدبٍ ولصوص، كلّا، لو أصفَى دُرَّةَ صفائه، لأخرَجَها اليَمُّ إلى الساحل، بل لو وَفَّى لله حقَّ وفائه، أحَلَّه ذِروةَ البلدِ الماحل، ضلَّ أظَلُّهُ وقد أقام، وحاد عن السبيلِ وما استقام، وللعاجِزِ مُتَأوَّل، إذا لم يكنْ عندَه مُعَوَّل، تارَةً يَطرُقُ الغَرَر، ويقولُ: لا إضرارَ ولا ضَرَر، وُيحرَمُ ارتكابَ الأخطار، وُيحيلُ على غيرِ ذي جَناح إمكانَ المَطَار، وُيجيزُ التيمُّمَ معَ وجودِ الماء، ويُطيلُ الأملَ ولم يَبْقَ إلا خافتُ الذِّماء، ويُصوِّرُ الجائزَ في صور المحال، ولا يُنشِدُ القريضَ إلّا والجَريضُ دونَه قد حال، ويُهوِّلُ اللُّجَّة والمَرْت، ويقولُ: الجَمَلُ لا يلجُ الخَرْت، هلّا فلا الفلاه، ونفَى أن تولَدَ السِّعلاة، ومشَى ولو على مستعِرِ الجَمْر، ووَكَلَ الأمرَ في ذلك إلى صاحبِ الأمر، يخفِضُه الآلُ ويرفَعُه، ويتعرَّضُه الرِّئبالُ فيدفَعُه [الكامل]:

* هلَّا فليتَ إليه ناحيةَ الفلا *

فإنّ عَزْمًا في الله لا يتَعذَّرُ (٢) معَه أمَل، وغَرَضًا في ذاتِه أوشَكَ به أن يقالَ: قد كَمَل، إلّا أنّ الجَدَّ خُلِعَ نَجادُه، كما أن الجِدَّ طُوِيَ بِجَادُه، وما هِي إلّا عِللٌ ثقيلةٌ منَعَتِ الصَّرف، وأسماءٌ ضَعُفت فبُنِيَتْ على الوَقْف، حينَ أشبَهَتِ الحَرْف، لو فتَحَ في الأرض بابَ الضَّرَب، وتخَطَّى بصحيح عَزْمِه مَبارِكَ الجَرَب، لجَنَى ثمرةَ الصَّبر، وكملَ لهُ حسابُ الجَبْر، وإنّما منَعَه خَفَضٌ لكنْ


(١) تُقرأ: حياتا؛ للسجع.
(٢) سيورد هذه الجملة ثانية ص ٢٥٠، وثَمَّ: لا يبعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>