للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس على الجِوار، ورَفْضٌ للحَزْم أعقَبَ ندامةَ ابنِ غالبٍ عند مُبايَنةِ نُوَار (١)، يقولُ: لا أستطيعُ السَّبيل، رِضا بالمَرْتَع الوَبِيل، هلّا أنِفَ من مقام المُجرم، وتشَوَّف إلى مقام المُحرِم، وزَجَرَها وهُو البائسُ أيامِن، حتّى يحُلَّ البلدَ الآمِن [الكامل]:

* هلَّا زَجَرْتَ العِيسَ تنفخُ بالبرى (٢) *

ورَحَلَ لبُغْيةِ المكارم، واستقبَلَ آثارَ القوم الأكارم، ليَلثُمَ مَواطئَ سَعى فيها بالوَحْي الرُّوحُ الأمين، وتخَطَّى عَرَصاتِها سيِّدُ المرسَلين! كيف لي أن أُمرِّغَ الخدَّ في عبيرِ ثراها، أو أبلُغَ الجَدَّ الأعظمَ عندَما أراها؟! هل يَطِيشُ عند ذلك لُبِّي أو يَذهَل، أو يزيدُ أُوامي عندَما أرِدُ ذلك المَنْهَل؟ مَن لي بالخَيْف ومِنى، وهل هما إلّا أجلُّ بُغْيةٍ ومُنى؟ أظُنُّك ضَلَلْتَ الطريق، وإلّا فأْينَكَ من ليالي التشريق؟ وهلّا أزدَلَفْتَ إلى المُزدَلِفة، ونَقَعتَ أُوامَ النفْسِ الكَلِفة وتَرَكْتَ حُطامَكَ إلى الحطيم وزَمْزَم، واقتدَيْتَ في العَزْم بشَنْشَيةٍ من أخْزَم! أرأيتَ استلامَ الحَجَرِ حِجْرًا؟ أم بقِيتَ في ليل الغِواية وقد تَبلَّجَ لك الرُّشدُ فَجْرًا؟ أم حُجِبتَ عن البيتِ العتيق، وقَصَّرتَ عن التقصيِر وما حلَّقت على التحليق؟ وما تنفَعُك الدّموعُ المُفاضة، وقد حُرِمتَ طَوافَ الإفاضة؟ هل قَرَعتَ إلى الصَّفا كلَّ صَفاة، وامتَطيْتَ إلى المَرْوةِ أطرافَ المَرْوِ الحِدَادِ بعزمةٍ مُستوفاة، وأجمَعْتَ في حالِ انفرادٍ وجمع، على الحُلولِ بجَمْع، ووَلَّيتَ أمرَ عزْمِك مستحقَّه، وجَعَلتَ لعَرَّافِ اليمامة حقَّه، لعلّه يَشفيكَ من وَجْدِك، أو يُنشِقُك نَفْحةً من صَبا نَجْدِك؟ وإنّما أنت الطَّليحُ المُلقَى، والصّحيحُ لغيرِ سببٍ يُسْتلقَى، بَرْقُ عَزْمِك خُلَّب، وصُلْبُ نيّتِك غيرُ صُلَّب، ليتَ شِعري! ما يُسكِنُ هذا الشّوقَ المُثار؟ وهل أُعفِّرُ وَجَناتي في تلك المشاهدِ الكريمةِ والآثار؟ قَسَمًا يا ذا الخُلُقِ العظيم، بمقامِك الأعْظَم، إنّ حُبَّك


(١) هو الفرزدق، والنوار زوجته وقد ندم حين طلقها.
(٢) في مكان إيراد القصيدة بعدُ (ص ٢٥٠): في البرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>