للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعاليت إله الناس عن قول من دعا ... سواك إلهًا أنت أعلى وأمجد

لك الخلق والنعماء والأمر كله ... فإياك نستهدى وإياك نعبد (١)

* * *

خامسًا: كما أن لا يخفى ما وقع فيه من انحراف بين عندما عبر عن المولى تعالى بالمقصد وعن النبي بالوسيلة، ثم وحد بينهما وجعل أعظم الطرق الموصلة إلى هذه الحضرة على - حد تعبيره - هي المحبة التي عبر عنها بالغزل، فمن أين له أن التغزل هو أعظم طرق الوصل؟ ومن أين له أن التغنى بالأوصاف والتعلق بها هو من أعظم دلائل المحبة؟

- ثم إن في تعبيره عن المحبة الصادقة بالغزل ما يخل بمقتضى التعظيم والإجلال الواجبين في حق الله تعالى وحق رسوله - عليه الصلاة والسلام -، فالطريق إلى الله تعالى واحد لا سبيل إليه سواه، وهو عبادته بإخلاص ومتابعة، قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وإنما عرف تعالى عباده بأسمائه وصفاته حتى يعرفوه فيعبدوه حق عبادته.

قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٨٠] وإلا فإن معرفة الله تعالى بماله من الكمال المطلق مما فطر العباد عليه وإنما أتى العبد من جانب ما تقتضيه هذه المعرفه. (٢)

وكذلك الطريق إلى المحبة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا تسلك إلا بصدق المتابعة والتقرب إلى الله تعالى، قال الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود: (لا يسأل أحد عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله) فإن "من أحب شيئًا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقًا في حبه وكان مدعيًا، فالصادق في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - من


(١) ديوان حسان بن ثابت - رضي الله عنه -: ٤٧.
(٢) انظر: المبحث المتعلق بالتوحيد: ١٦٩.

<<  <   >  >>