والذي أدى بهم إلى هذا المسلك الضال؛ ما اعتمدوه من إعمال الرأي في دين الله، فضلوا عن المنهج النبوي إلى مثل هذه المحدثات، التي كانت مدخلًا للكثير من أوهام الملحدين والزنادقة والمارقين: أمثال ابن عربي وغيره.
ولما كانت هذه الاصطلاحات المبتدعة من الألفاظ المجملة، التي هي محل اشتباه في مرادها من حيث المعنى، فقد فصل الأئمة في الكلام عنها؛ كما فصلوا في مقام الفناء والبقاء؛ ببيان الوجه المراد منهما، وبيانه كالتالي:
[مقام الجمع]
إن حقيقة الجمع في اصطلاح القوم:"شخوص البصيرة إلى من كانت منه المتفرقات كلها" بمعنى أن يقبل العبد بكليته إلى مولاه؛ فلا يبقى لأحد منه التفات، فحقيقته، امتداد لمقام الفناء مع زيادة في المعنى، ولهذا الجمع أنواع: فمنه جمع الوجود، ومنه جمع الشهود، ومنه جمع الإرادة والقصد:
فأما جمع الوجود؛ فهذا هو المعنى الباطل، الذي عليه أهل الإلحاد والزندقة، كما عرفه ابن عربي: هو الاستهلاك بالكلية في الله.
وأما جمع الشهود، فهو كما عبر عنه الصاوي بقوله: أن يسكره في شهود ذاته تعالى، فيصير مستهلكًا بالكلية عما سوى الله تعالى، ومع أنه قد يقرب من المراد إلا أن ما وقع فيه أربابه من مقاربة لأوهام الملاحدة؛ جعل القول به خطرًا محدقًا يكاد أن يكون بوابة لجمع الوجود، يصدق هذا استدلاله بحال البدوي، الذي نسب إليه الكثير من أوهام الصوفية في معرفة الغيوب والتصرف في الكون؛ حتى صار قبره وثنًا يعبد من دون الله، حيث تشد الرحال إليه لطلب الحاجات ورفع البلايا النازلات.
وكان جمع القصود مرادفًا لمعنى الفناء عن عبادة السوى، وهذا هو "الجمع الصحيح الذي عليه الاستقامة، وهو جمع توحيد الربوبية والإلهية، فيشهد صاحبه قيومية الرب تعالى فوق عرشه، يدبر أمر عباده وحده.