للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تظهر علامة ذلك عليه، وأولها: الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، وشاهد هذا قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} " (١)

ويقول الإمام ابن القيم في بيان حقيقة محبته - عليه الصلاة والسلام -: "إن تعظيم الرسول وإجلاله ومحبته تابع لتعظيم مرسله سبحانه وإجلاله ومحبته وطاعته، فمحال أن تثبت المحبة والطاعة والتعظيم والإجلال للرسول - صلى الله عليه وسلم - دون مرسله، بل إنما يثبت ذلك له تبعًا لمحبة الله وتعظيمه وإجلاله، ولهذا كانت طاعة الرسول طاعة الله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومحبته محبة لله. ." (٢)

كما أن تقديم العمل بسنته على هوى النفس وآراء الرجال من براهين صدق مدعى محبته - عليه الصلاة والسلام -، لذا علق المولى تعالى صدق الإيمان بالتحاكم لشرعه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦].

فإن صدق الاتباع أعدل الشهود، وأقواهم بينة على محبة من اتصف به، وقد كان القرآن الكريم يتعهد دومًا من تربى في مدرسة النبوة بغرس فضيلة الأدب معه - عليه الصلاة والسلام -، فمرة يوجههم إلى وجوب اتباعه، ومرة يخصص من هذا الاتباع أولوية التحاكم لشرعه المطهر، والتسليم لما يقضى به بينهم، ومرة يحذرهم من مغبة الالتفات عن أمره، كما قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣].

إن النداء الربانى لأهل الإيمان حقيقة باقية تهيب بكل من دخل في عموم هذا الجمع بأن يحسنوا اتباعهم له، وأن لا يقدموا شيئًا على سنته مهما حسنته العقول والأهواء أو ارتأت أولويته.


(١) الشفا للقاضي عياض (٣/ ٥٦١).
(٢) جلاء الأفهام: ٣٠٤.

<<  <   >  >>