قال في المنتقى: "قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فيما سقت السماء" والعيون ما سقت السماء هو ما لم يكن له سقي إلا بالمطر وما سقت العيون فهو ما سقي بالعيون الجارية على وجه الأرض التي لا يتكلف في رفع مائها آلة ولا عملًا وهو السيح وأما البعل فقال أبو داود: البعل ما شرب بعروقه، وكذلك قال أبو عبيد في غريب الحديث وأنشد من الواردات الماء بالقاع تستقى بأعجازها قبل استقاء الحناجر. قال القاضي أبو الوليد -رضي اللَّه عنه- وهذا عندي، واللَّه أعلم أن معناه أن أصولها تصل إلى المياه تحت الأرض فيقوم لها مقام السقي ولا تحتاج أن تسقى بما ينزل إلى عروقها من وجه الأرض من مطر أو غيره. وقال ابن حبيب البعل: ما شرب بعروقه من غير سقي سماء ولا غيرها والسيح ما سقته السماء وهذا شيء لا أراه يكون إلا بمطر إلا أنها على كل يأخذها سقي النيل، واللَّه أعلم فهذا فيه العشر لقله مؤنة سقيه، وأما النضح فهو الرش والصب فما سقي بالنضح هو ما يسقى بما يستخرج من الآبار بالغرب أو بالسانية ويستخرج من الأنهار بآلة ففي هذا نصف العشر لكثرة مؤنته وهذا أصل في أن لشدة النفقة وخفتها تأثيرًا في الزكاة. (مسألة): إذا ثبت ذلك فإن سقى حبه أو ثمرته في جميع عامه بأحد الأمرين كان ذلك حكمه، وإن اختلف أمره فكان مرة يسقى بالنضح ومرة بماء السماء فإننا ننظر فإن تساوى الأمر فيهما كان عليه ثلاثة أرباع العشر، وإن كان أحد الأمرين أكثر كان حكم الأقل تبعًا للأكثر؛ لأن التتبع له يشق والتقدير يتعذر والزكاة مبنية عند المشقة في مراعاتها على المساواة بين أرباب الأموال ومستحقي الزكاة وحكى القاضي أبو محمد في ذلك روايتين إحداهما ما ذكرناه، والثانية أن الاعتبار بما حيا به الزرع وتم، وإن كان الأقل قال: ووجهه بالسقي كمال الزرع وانتهاؤه إلى حيث ينتفع به وهذا لا يوجد إلا فيما يحيا الزرع به أو يفوت بفواته، قال: والأصول تشهد بما قلناه يداين غرماءه في سقي زرعه والنفقة عليه ثم يفلس فإنه يبدأ بآخرهم نفقة؛ لأنه هو الذي أحيا الزرع بنفقته وسقيه".