للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "قال: مَثْنَى مثنى": خبر مبتدأ، أيْ: "هي مثنى"، و "مثنى" الثاني تأكيد للأوّل، ولو اكتفى بأحَد اللفظين أجزأ عن الآخر، كقوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: ١]، ولكنه أكَّد، كقولك: "ضربتُ زيدًا زيدًا"، فجَمَع بين الاختصار في العَدل، والتأكيد بالتكرار، والله أعلم. وهو لا ينصرفُ للعَدْل الحقيقي عن اثنين اثنين، وللصّفة (١).

وأجاز صرْفه الفرّاء، وصرَفَها الخليل وأبو عمرو إذا كانت نكرات، وأنشَدُوا [على ذلك] (٢):

وَإنَّ الغُلامَ المُسْتَهَامَ بذِكْرِهِ ... قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بين مَثْنًى وَمَوْحَدِ (٣)

أي: "الذي يستهام بذكْره".

وقيل: هذا شاذ، لا يقاس عليه. والمنع أولى.

واختلف في علّة منع الصّرف: فمذهب سيبويه ما تقدّم. وقال الفراء: يمتنع للعَدل والتعريف بنية "ال". وقال الزَّجَّاج: والمنع؛ لأنها معدولة عن مؤنث؛ لأنّ الأصل: "اثنين اثنين"، و "ثلاثة ثلاثة"، و"أربعة أربعة"، وهذه كُلها مؤنثات. وقيل: المنع؛ لتكرار العَدل؛ لأنّه عدل عن لفظ "اثنين" وعن معناه؛ لأنه لا يُستعمل في موضع يُستعمل فيه الأعدَاد غير المعدولة؛ ولهذا تقول: "جاءني اثنان"، ولا تقول: "جاءني مثنى"، حتى يتقدّمه جمع؛ لأنّه وأخواته جعل بيانًا لترتيب الفعل، فإذا قلت: "جاءني القوم مثنى"، أفاد أنّ ترتيب مجيئهم وقع اثنين اثنين، بخلاف غير المعدولة فإن الغرض منها إنما هو الإخبار عن مقدار المعدود دون غيره، فقد بان اختلافهما في المعنى.

وذكر أبو حيان وجوهًا أخرى في العدل. وهذه الألفاظ إنما تأتي أخبارًا كما


(١) انظر: اللباب في علل البناء والإعراب (١/ ٥١٤)، واللمع (ص/١٥٦).
(٢) غير واضحة بالأصل. والمثبت من (ب).
(٣) انظر: معاني القرآن للفراء (١/ ٢٥٤)، تفسير الطبري (٧/ ٥٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>