وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق، ولكن العجب: أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له، والهمزة في (أتسخر) للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، قال: وهذا كلام منبسطٍ متدلل.
والقول الثالث: ما قاله القاضي عياض: من أنه يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله؛ لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشًا وفرحًا، فقال: وهو لا يعتقد حقيقةَ معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر: إنه لم يضبط نفسه من الفرح، فقال: أنت عبدي وأنا ربك، والله أعلم.
وأعلم: أنه وقع في الروايات: (أتسخر بي) وهو صحيحٌ، يقال: سخرت منه وسخرت به، والأولى هو الأفصح الأشهر، وبه جاء القرآن، والثاني فصيح أيضًا، وقد قال العلماء: إنه إنما جاء بالباء؛ لإرادة معناه؛ كأنه قال: أتهزأ بي.
وفي هذا الحديث جواز الضحك، وأنَّه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة، إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، والله أعلم.
قوله:(ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيل: إنما ضحك له رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجابًا وسرورًا بما رأى من كمال رحمته تعالى ولطفه على عبده المذنب وكمال الرضا عنه. انتهى "س".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار وفي غيره، ومسلم في كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا منها، والترمذي في كتاب صفة جهنم.