وإن لزم ذلك باصطلاح الأصول، لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء، فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى ينتهض دليل يدل على القضاء.
قلت: والدليل الذي يدل على القضاء هو أنه - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعمرة الحديبية، فأحصر فحل منها، ورجع من غير أن يؤديها، ثم أحرم لها من قابلٍ وأداها، فسمى عمرة القضاء وعمرة القصاص، فهذا يدل على أن المؤدى بعد الفوت في الوقت قضاء لا أداء.
ثم قال الشوكاني: وفي الحديث أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف والمزني والكرخي، وقال القاسم ومالك والشافعي: إنه على التراخي، وأستدلوا في قضاء الصلاة أنه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا استيقظ بعد فوات الصلاة بالنوم أخَّر قضاءها، واقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي، ورُدَّ بان التأخير لمانع آخر، وهو ما دل عليه الحديث بأن ذلك الوادي كان به شيطان، وقال: وإنها تقضى في أوقات النهي وغيرها.
قلت: وعندنا الحنفية لا تقضى في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلها حين انتبه من النوم، بل أخَّرها حتى إذا ارتفعت الشمس نزل ثم صلَّى، وفي رواية مسلم (١): "حتى إذا استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال: ارتحلوا فسار بنا حتى إذا ابيضّت الشمس نزل فصلَّى بنا الغداة"، وقد تقدم ما رواه البيهقي ونسب روايتها إلى البخاري في "الصحيح" عن عمران بن ميسرة عن محمد بن فضيل.
فهذه الروايات كلها تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - أخر الصلاة ليخرج وقت الكراهة، فلو جازت الصلاة في الوقت المنهي عنه لما أخّرها إلى أن ابيضّت الشمس وارتفعت.
وقال: وإن من مات وعليه صلاة فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه لها، لقوله:"لا كفارة لها إلَّا ذلك".