في القياس, لأن القياس يختص بالمجتهد, لأنه موقوف على النظر، والدلالة يعرفها كل من كان من أهل اللسان من غير احتياج إلى ترتيب المقدمات والنظر، ولأن الدلالة مشروعة قبل شرع القياس، فإن كل واحد من أهل اللسان يفهم بمجرد سماع قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، لا تضربهما, ولا تشتمهما.
على أنّ هاهنا أمرين:
أحدهما: ثبوت الإثم على ترك الصلاة عامدًا، فترك الصلاة عامدًا معصية، والمعصية صغيرة كانت أو كبيرة ترتفع بالتوبة.
والثاني: شغل الذمة بوجوب الفعل، فإن الفعل إذا وجب على العبد لا يسقط عنه إلَّا بالأداء أو القضاء، ولا يفرغ ذمته إلَّا بأحدهما، فعند المحققين من عامة الحنفية وغيرهم يجب القضاء بالسبب الذي يجب به الأداء، وهو النص الموجب للأداء، فحينئذ لا يحتاجون إلى دليل مستقل على وجوب القضاء.
وأما ما ورد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها"، وقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(١)، إنما ورد للتنبيه على أن الأداء باقٍ في ذمتكم بالنصين الموجبين للأداء ولم يسقط بالفوات، فإن الأداء صار مستحقًا عليه، وفراغ من عليه الحق عن الحق إما بالأداء ولم يوجد، وإما بالعجز ولم يوجد، فإنه قادر على أصل العبادة وإن عجز عن إدراك فضيلة الوقت، وإما بإسقاط صاحب الحق وهو لم يوجد، لا صراحة - كما هو الظاهر- ولا دلالة، فإنه لم يحدث إلَّا خروج الوقت، وهو لا يصلح مسقطًا، بل يقرر ما على ذي الحق من العهدة.
ولما لم يوجد فراغ الذمة كان الواجب مطلوبًا من الشارع، فيجب الإتيان به لأجل براءة الذمة من الواجب، فلو لم يصح إتيان القضاء من العامد لكان طلب الشارع طلبًا للمحال، فقول المانعين: إنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة في