للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قال بعدم تأثيمهم استدل بذلك على رفع الإثم عمن أخطأ خطًا يعذر به؛ فمن ذلك:

الدليل الأول: قال الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقد ثبت أن الرسول كما جاء في الحديث الصحيح قال: (قال الله: قد فعلت) (١) وهذا فيمن أخطأ من المسلمين مريدًا للحق، ولكن أخطأه إما بتأويل محتمل للنص إن بلغه، أو لعدم بلوغه له، ولا فرق بين الأصول والفروع في ذلك، فمن فرق فعليه الدليل (٢).

الدليل الثاني: قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥] ووجه الاستدلال: أن الله رفع الجناح والإثم عمن خاطبهم من المسلمين الذين أخطأوا فيما أخطأوا فيه، وتحمل الآية على العموم في الأصول والفروع لعدم الفرق (٣).

والضابط المقرب لما سبق في حكم المخطيء من المسلمين:

(أ) أن ينظر أولًا في المسألة التي وقع فيها الخطأ، فيشترط أن تكون شرعية لا عقلية كلامية، لأن الحكم للشرع، ثم ينظر هل هي من الأمور الدقيقة الخفية -ولو بحثت في ضمن أصول الدين-، أو هي ظاهرة جلية معلومة علمًا ضروريًا -وإن بحثت في ضمن الفروع-؟ فإن كانت من الأول فالخطأ فيها محتمل قريب، وإن كانت من الثاني فينظر فيما يلي:


(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب بيان أن الله لم يكلف إلا ما يطاق رقم (١٢٦).
(٢) انظر: منهاج السنة (٥/ ٩١)، ومجموع الفتاوى (١٩/ ٢١٠)، ٢١٦)، (١٢/ ٤٨٩)، (٢٠/ ٢٦٣ - ٢٦٨)، وفتح الباري (١٢/ ٣٠٤).
(٣) انظر: الفصل لابن حزم (٣/ ٣٠١)، ومجموع الفتاوى (١٢/ ٤٨٩)، (٢٠/ ٣٣ - ٣٦)، وإيثار الحق على الخلق (٤٣٥ - ٤٣٦).

<<  <   >  >>