ففي هذه الآية نفى الله استطاعة معينة، لا بد من تفسيرها بأنها استطاعة موجبة للفعل، وليست الاستطاعة المشروطة للفعل، إذ الثانية شرط في التكليف، فإذا انتفت فلا تكليف، فلما نفى الله هنا الاستطاعة، ورتب عليها الجزاء، علمنا أنها استطاعة موجبة للفعل، خاصة، وأن سمع الآذان كان حاصلًا لهم، فكان المنفي شيئًا آخر، وفي قوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ دلالة على العقاب بسبب الجحود، فعاقبهم الله بخذلانهم فلا يهتدون إلى طريق الحق، وهذا معنى عدم استطاعتهم، فدل على أن هذه الاستطاعة قدر زائد على مجرد الوسع والتمكن من الفعل.
وزعمت القدرية أن قدرة العبد تكون قبل الفعل، وتصلح للضدين، وهي شرط لصحة الفعل، فالفعل مشروط، ويستحيل أن يتقدم المشروط على شرطه، فلو كانت مع الفعل لا قبله للزم عدم تكليف الكافر بالإيمان، بل للزم عدم تكليف أي إنسان.
والجبرية زعموا أن قدرة العبد تكون مقارنة للفعل لا قبله، لأنها لو فرضت قبل الفعل وهي عرض لكان الفعل واقعًا بلا قدرة، لأن العرض لا يبقى زمانين.
فيلحظ أن ما أورده كل فريق على الآخر يدل على بطلان نفيه لما نفاه من القدرة التي لا يثبتها، فدل ذلك على أنه لو قيل بالقدرتين لما أمكن الاعتراض أصلًا.