للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الأَنْوَاعِ مِنَ التَّوَسُّلَاتِ؛ فَفِيهَا خِلَافٌ، وَالَّذِي نَعْتَقِدُهُ وَنَدِينُ اللهَ تَعَالَى بِهِ أَنَّهُ غَيرُ جَائِزٍ وَلَا مَشْرَوعٍ، لِأَنَّه لَمْ يَرِدْ فِيهَا دَلِيلٌ تَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ، وَقَد أَنْكَرَهُ العُلَمَاءُ المُحَقِّقُونَ فِي العُصُورِ الإِسْلَامِيَّةِ المُتَعَاقِبَةِ (١)، مَعَ أَنَّهُ قَد قَالَ بِبَعْضِهِ بَعْضُ الأَئِمَّةِ، فَأَجَازَ الإِمَامُ أَحْمَدُ التَّوَسُّلَ بِالرَّسُولِ وَحْدَهُ فَقَط، وَأَجَازَ غَيرُهُ كَالإِمَامِ الشَّوكَانِيِّ التَّوَسُّلَ بِهِ وَبِغَيرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

وَلَكِنَّنا -كَشَأْنِنَا فِي جَمِيعِ الأُمُورِ الخِلَافِيَّةِ- نَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ حَيثُ دَارَ، وَلَا نَتَعَصَّبُ لِلرِّجَالِ، وَلَا نَنْحَازُ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلحَقِّ -كَمَا نَرَاهُ وَنَعْتَقِدُهُ-، وَقَد رَأَينَا فِي قَضِيَّةِ التَّوَسُّلِ -الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا- الحَقَّ مَعَ الَّذِينَ حَظَرُوا التَّوَسُّلَ بِمَخْلُوقٍ، وَلَم نَرَ لِمُجِيزِيهِ دَلِيلًا صَحِيحًا يُعْتَدُّ بِهِ، وَنَحْنُ نُطَالِبُهُم بِأَنْ يَأْتُونَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ صَرِيحٍ مِنَ الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ فِيهِ التَّوَسُّلُ بِمَخْلُوقٍ، وَهَيهَاتَ أَنْ يَجِدُوا شَيئًا يُؤَيِّدُ مَا يَذْهَبُونَ إِلَيهِ، أَو يَسْنُدُ مَا يَدَّعُونَهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا شُبَهًا وَاحْتِمَالَاتٍ؛ سَنَعْرُضُ لِلرَّدِّ عَلَيهَا بَعْدَ قَلِيلٍ.

ومِنَ الغَرِيبِ حَقًّا أَنَّكَ تَرَى هَؤُلَاءِ يُعْرِضُونَ عَنْ أَنْوَاعِ التَّوَسُّلِ المَشْرُوعَةِ


(١) فَلَم نَنْفَرِدْ نَحْنُ -اليَومَ- بِإِنْكَارِ تِلْكَ التَّوَسُّلَاتِ المُبْتَدَعَةِ! بَلْ سَبَقَنَا إِلَى إِنْكَارِهَا كِبَارُ الأَئِمَّةِ وَالعُلَمَاءِ، وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ كُتُبِ المَذَاهِبِ المُتَّبَعَةِ -كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ فَقَد جَاءَ فِي كِتَابِ الدُّرُّ المُخْتَارُ مَعَ حَاشِيَةِ رَدِّ المُحْتَارِ (٦/ ٣٩٦) -مِنْ كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ-: "وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة -مَعْزِيًّا لِلْمُنْتَقَى- عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ إِلَّا بِهِ، وَالدُّعَاءُ المَأْذُونُ فِيهِ المَأْمُورُ بِهِ؛ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوله تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأَعْرَاف: ١٨٠] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>