للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِيهِ وَعْدُهُ إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ، ويُشْعِرُ بِهِ قَولُهُ فِي دُعَائِهِ: ((اللَّهُمَّ؛ فَشَفِّعْهُ فِيَّ)) أَي: اقْبَلْ شَفَاعَتَهُ -وَهُوَ دُعَاءَهُ- فِيَّ، وَقَولُهُ: ((وَشَفِّعْنِي فِيهِ)) أَي اقْبَلْ شَفَاعَتِي -أَي: دُعَائِي- فِي قَبُولِ دُعَائِهِ فِيَّ، فَمَوضُوعُ الحَدِيثِ كُلُّهِ يَدُورُ حَولَ الدُّعَاءِ؛ فَلَا عَلَاقَةَ لِلحَدِيثِ بِالتَّوَسُّلِ المُبْتَدَعِ -وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالجَاهِ وَالذَّاتِ هُنَا- (١).

٤ - وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ تَوَسُّلِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى كَمَا فِي التَّارِيخِ لِلخَطِيبِ البَغْدَادِيِّ (٢)؛ فَنَصُّهُ: "سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: إِنِّي لَأَتَبَرَّكُ بِأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَجِيءُ إِلَى قَبْرِهِ فِي كُلِّ يَومٍ -يَعْنِي زَائِرًا- فَإِذَا عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ؛ صَلَّيتُ رَكْعَتَينِ، وَجِئْتُ إِلَى قَبْرِهِ، وَسَأَلْتُ اللهَ تَعَالَى الحَاجَةَ عِنْدَهُ، فَمَا تَبْعُدُ عَنِّي حَتَّى تُقْضَى"! فهيَ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ فِيهَا عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ غَيرُ مَعْرُوفٍ، وَلَيسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي شَيءٍ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ، وَلَقَد رَأَى الشَّافِعِيُّ بِالحِجَازِ وَاليَمَنِ وَالشَّامِ وَالعِرَاقِ وَمِصْرَ مِنْ قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَنْ كَانَ أَصْحَابُهَا عِنْدَهُ -وَعِنْدَ المُسْلِمِينَ جَمِيعًا- أَفْضَلَ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمْثَالِهِ مِنَ العُلَمَاءِ وَرَضِيَ عَنْهُم-، وَلَم يُنْقَلْ تَوَسُّلُهُ بِأَحٍدٍ مِنْهُم!

بَلْ قَد جَاءَ عَنِ الشَّافِعِيِّ -مَا هُوَ ثَابِتٌ فِي كِتَابِهِ الأُمِّ- مِنْ كَرَاهَةِ تَعْظِيمِ قُبُورِ


(١) قَالَ فِي الدُّرِّ المُخْتَارِ مَعَ حَاشِيَةِ رَدَّ المُحْتَارِ (٦/ ٣٩٦) -مِنْ كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ-: "وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة -مَعْزِيًّا لِلْمُنْتَقَى- عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ إِلَّا بِهِ، وَالدُّعَاءُ المَأْذُونُ فِيهِ؛ المَأْمُورُ بِهِ؛ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوله تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأَعْرَاف: ١٨٠] ".
(٢) عَزَا الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ الأَثَرَ إِلَى تَارِيخِ الخَطِيبِ (١/ ١٢٣)، وَجُمْلَةُ تَضْعِيفِ الأَثَرِ -مِنْ جِهَةِ الإِسْنَادِ- أَفَادَهُ الشَّيخُ تَحْتَ حَدِيثِ الضَّعِيفَةِ (٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>