للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا﴾ فَكَشَفْنَا ضُرَّهُ وَأَزَلْنَا مَشَقَّتَهُ؛ عَادَ بِرَبِّهِ كَافِرًا، وَلِمَعْرُوفِهِ مُنْكِرًا! وَ ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ أَي: عِلْمٍ مِنَ اللهِ أَنِّي لَهُ أَهْلٌ، وَأَنِّي مُسْتَحِقٌّ لَهُ، لِأَنِّي كَرِيمٌ عَلَيهِ، أَو عَلَى عِلْمٍ مِنِّي بِطُرُقِ تَحْصِيلِهِ! ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ يَبْتَلِي اللهُ بِهَا عِبَادَهُ لِيَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُهُ مِمَّنْ يَكْفُرُهُ، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ فَلِذَلِكَ يَعُدُّونَ الفِتْنَةَ مِنْحَةً، وَيَشْتَبِهُ عَلَيهِم الخَيرُ المَحْضُ بِمَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلخَيرِ أَو لِلشَّرِّ، ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أَي: قَولَهُم ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ فَمَا زَالتْ مُتَوَارَثَةً عِنْدَ المُكَذِّبِينَ، لَا يُقِرُّونَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِم، وَلَا يَرَونَ لَهُ حَقًّا، فَلَم يَزَلْ دَأْبُهُم حَتَّى أُهْلِكُوا، وَلَم يُغْنِ ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ حِينَ جَاءَهُم العَذَابُ" (١).

- هَذَا البَابُ كَالأَبْوَابِ الَّتِي قَبْلَهُ فِي بَيَانِ وُجُوبِ تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى فِي الأَلْفَاظِ، وَأَنَّ النِّعَمَ يَجِبُ أَنْ تُنْسَبَ إِلَيهِ، وَأَنْ يُشْكَرَ عَلَيهَا؛ فَتُعْزَى إِلَيهِ، وَيَقُولُ العَبْدُ: هَذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ بِهِ.

وَالكَذِبُ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ أَو أَنْ يَتَكَلَّمَ المَرْءُ بِكَلَامٍ لَيسَ مُوَافِقًا للحَقِيقَةِ أَو هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَد أَنْعَمَ عَلَيهِ بِذَلِكَ؛ فَهَذَا يُؤَدِّيهِ إَلى المَهَالِكِ، وَقَد يَسْلُبُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ النِّعْمَةَ بِسَبَبِ لَفْظِهِ.

- دَخَلَ فِي هَذَا البَابِ نَوعَانِ مِنَ النَّاسِ:

١ - مَنْ يَنْسِبُ النِّعْمَةَ إِلَى نَفْسِهِ أَو إِلَى أَسْبَابِهَا وَلَا يَنْسِبُهَا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا أَصْلًا! فَهَذَا مُسِيءٌ مِنْ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَافِلٌ عَنِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي قَولِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (يُرِيدُ مِنْ عِنْدِي)، وَكَمَا فِي قَول قَتَادَةَ: (عَلَى عِلْمٍ مِنِّي بِوُجُوهِ المَكَاسِبِ).


(١) تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ (ص ٧٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>