وَالجَوَابُ: إِنَّ المَعْنَى فِي هَاتَينِ الآيَتِينِ عَلَى ظَاهِرِ الكَلَامِ وَحَقِيقَتِهِ، لَكِنْ مَا ظَاهِرُ الكَلَامِ وَحَقِيقتُهُ هُنَا؟ هَلْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ وَحَقِيقَتَهُ أَنَّ السَّفِينَةَ تَجْرِي فِي عَينِ اللهِ؛ أَو أَنَّ مُوسَى ﵊ يَرْبَى فَوقَ عَينِ اللهِ تَعَالَى؟!!
أَو يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ السَّفِينَةَ تَجْرِي وَعَينُ اللهِ تَرْعَاهَا وَتَكْلَؤُهَا، وَكَذَلِكَ تَرْبِيَةُ مُوسَى تَكُونُ عَلَى عَينِ اللهِ تَعَالَى يَرْعَاهُ وَيَكْلَؤُهُ بِهَا، وَلَا رَيبَ أَنَّ القَولَ الأَوَّلَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَينِ:
أ- أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الكَلَامُ بِمُقْتَضَى الخِطَابِ العَرَبِيِّ، وَالقُرْآنُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ العَرَبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يُوسُف: ٢] وَلَا أَحَدَ يَفْهَمُ مِنْ قَولِ القَائِلِ: فُلَانٌ يَسِيرُ بِعَينِي أَنَّ المَعْنَى أَنَّهُ يَسِيرُ دَاخِلَ عَينِهِ، وَلَا مِنْ قَولِ القَائِلِ: فُلَانٌ تَخَرَّجَ عَلَى عَينِي؛ أَنَّ تَخَرُّجَهُ كَانَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى عَينِهِ، وَلَو ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فِي هَذَا الخِطَابِ لَضَحِكَ مِنْهُ السُّفَهَاءُ فَضْلًا عَنِ العُقَلَاءِ (١).
ب- أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ غَايَةَ الامْتِنَاعِ، وَلَا يُمْكِنُ لِمَنْ عَرَفَ اللهَ وَقَدَّرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ أَنْ يَفْهَمَهُ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَحُلُّ فِيهِ شَيءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَلَا هُوَ حَالٌّ فِي شَيءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ ﷾.
فَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ هَذَا مِنَ النَّاحِيَةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الكَلَامِ هُوَ القَولُ الثَّانِي؛ أَنَّ السَّفِينَةَ تَجْرِي وَعَينُ اللهِ تَرْعَاهَا وَتَكْلَؤُهَا، وَكَذَلِكَ تَرْبِيَةُ مُوسَى تَكُونُ عَلَى عَينِ اللهِ يَرْعَاهُ وَيَكْلَؤُهُ بِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَولِ بَعْضِ السَّلَفِ: بِمَرْأًى مِنِّي،
(١) قُلْتُ: وَمِثْلُهُ قَولُ: إِنَّكَ تَحْتَ عَينِي، وَفُلَانٌ تَخَرَّجَ مِنْ تَحْتِ يَدِي، وَفُلَانٌ يَدِي اليُمْنَى وَ … مِمَّا مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ مَفْهُومٌ بِاللِّسَانِ العَرَبِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute