وَلَا بُدَّ مِنَ التَّنْوِيهِ إِلَى أَنَّ رَحْمَةَ اللهِ تَعَالَى هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ غَيرُ مَخْلُوقَةٍ؛ وَأَنَّ مَا نُشَاهِدُهُ مِنَ الخَيرِ وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ وَحُصُولِ النِّعَمِ هِيَ آثَارُ رَحْمَةِ اللهِ، فَنُزُولُ المَطَرِ وَنَبَاتُ الأَرْضِ وَمَا أَشْبَهَ هِيَ أَشْيَاءُ مَخْلُوقَةٌ.
وَبِمَعْنًى آخَر؛ فَإِنَّ العَرَبَ تُطْلِقُ اسْمَ مَا تَوَلَّدَ مِنَ الشَيء عَلَى الشَيءِ؛ وَأَيضًا تُطْلِقُ الصِّفَةَ عَلَى المَفْعُولِ، كَقَولِكَ عَنِ المَقْدُورِ هَذِهِ قُدْرَةُ اللهِ (١)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾ [الرُّوم: ٤٨ - ٥٠].
وَالخُلَاصَةُ هُنَا: أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ ﷾ يَرْحَمُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ، فَهِيَ صِفَةُ ذَاتٍ وَصِفَةُ فِعْلٍ؛ لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ فِيهَا، وَإِنَّ كُلَّ مَا نُشَاهِدُهُ مِنَ النِّعَمِ وَالإِحْسَانِ إِنَّمَا هُوَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ.
(١) وَكَقَولِكَ عَنْ إِهْلَاكِ اللهِ تَعَالَى لِلأُمَمِ الكَافِرَةِ: هَذَا عَذَابُ اللهِ، وَهَذِهِ حِكْمَةُ اللهِ، وَهَذِهِ قُدْرَتُهُ، وَهَذَا جَزَاؤُهُ، وَكَقَولِكَ عَنِ المَولُودِ الذَّكَرِ أَوِ الأُنْثَى: هَذِهِ إِرَادَةُ اللهِ، وَعَنِ المَطَرِ: هَذِهِ رَحْمَةُ اللهِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [لُقْمَان: ١١] وَذَلِكَ بَعْدَ قَولِهِ: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [لقُمْان: ١٠]، فَالمَخْلُوقُ المَفْعُولُ عُبِّرَ عَنْهُ بِالصِّفَةِ وَهِيَ الخَلْقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute