للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا المَعْنَى فِعْلًا لَيسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى ابْنِ آدَمَ، أَمَّا لَو حُمِلَ السُّلْطَانُ عَلَى مَعْنَى التَّسَلُّطِ وَالتَّلَبُّسِ؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ -قُرْآنًا وَسُنَّةً- قَدْ دَلَّتْ عَلَى حُصُولِ ذَلِكَ، فَلَا تَعَارُضَ بِحَمْدِ اللهِ.

وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الشَّيطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ يَظْهَرْ لَكَ أَنَّ السُّلْطَانَ هُنَا هُوَ الحَقُّ وَالحُجَّةُ، وَعَلَيهِ فَلَا سُلْطَانَ لِلشَّيطَانِ عَلَى ابْنِ آدَمَ (١).

وَكَذَا القَولُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحِجْر: ٤٢] أَنَّهُ فِي الحُجَّةِ (٢).

وَكَذَا القَولُ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ [الصَّافَّات: ٢٨ - ٣٠] أَنَّهُ فِي الحُجَّةِ أَيضًا (٣).


(١) قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (١٦/ ٥٦٠): "يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ إِبْلِيسُ ﴿لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ يَعْنِي لَمَّا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ؛ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ؛ وَاسْتَقَرَّ بِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُم قَرَارُهُم ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ﴾ أَيُّهَا الأَتْبَاعُ النَّارَ، وَوَعَدْتُكُم النُّصْرَةَ، فَأَخْلَفْتُكُم وَعْدِي، وَوَفَّى اللهُ لَكُم بِوَعْدِهِ ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ يَقُولُ: وَمَا كَانَ لِي عَلَيكُم فِيمَا وَعَدْتُكُم مِنَ النُّصْرَةِ مِنْ حُجَّةٍ تَثْبُتُ لِي عَلَيكُم بِصِدْقِ قَولِي".
(٢) قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (١٧/ ١٠٥): "يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم حُجَّةٌ؛ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ عَلَى مَا دَعُوتَهُ إِلَيهِ مِنَ الضَّلَالَةِ مِمَّنْ غَوَى وَهَلَكَ".
(٣) قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (٢١/ ٣٢): "يَقُولُ: قَالُوا: وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيكُم مِنْ حُجَّةٍ؛ فَنَصُدَّكُم بِهَا عَنِ الإِيمَانِ وَنَحُولَ بَينَكُم مِنْ أَجْلِهَا وَبَينَ اتِّبَاعِ الحَقِّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>