للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَسْرَةً وَنَدَمًا (١)، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَمْوَاتَ لَا يَسْمَعُونَ أَصْلًا.

قَالَ العَلَّامَةُ القَصَّابُ فِي فَوَائِدَ مِن قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ أَنَّ فِيهَا: "تَكْذِيبًا لِلأَخْبَارِ الوَاهِيَةِ فِي أَنَّ المَوتَى يَعْلَمُونَ وَيَشْعُرُونَ! وَمَا كَانَ مِنْهَا صَحِيحَةً فَلَهَا مَعَانٍ وَاضِحَةٌ، مِثْلُ وُقُوفِ رَسُولِ اللهِ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ وَنِدَاءِ مَنْ فِيهِ مِنْ قَتْلَى قُرَيشٍ وَقَولِهِ: ((مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُم؛ غَير أَنَّهُم لَا يُطِيقُونَ الجَوَابَ))، فَهَذِهِ الآيَةُ لِرَسُولِ اللهِ فِي وَقْتِهَا خَاصَّةٌ فِيهِم لِيُقِرَّ اللهُ عَينَ رَسُولِهِ عَاجِلًا بِإِسْمَاعِهِم قَولَهُ وَتَحْقِيقِ مَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ فِيهِ حَتَّى يُقْبَروا، فَإِذَا قُبِرُوا لَمْ يُسْمِعْهُم. وَمِثْلُ مَا رُوِيَ فِي الشُّهَدَاءِ، فَإِنَّهُم -وَإِنْ قُتِلُوا- فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ" (٢).

- فَائِدَةٌ: يَظْهَرُ أَنَّ مُنَادَاةَ الكُفَّارِ بَعْدَ هَلَاكِهِم سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مِنْ سُنَنِ الأَنْبِيَاءِ؛ فَقَد قَالَ تَعَالَى فِي قَومِ صَالِحٍ : ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأَعْرَاف: ٧٩].

قَالَ ابْنُ كَثِير : "هَذَا تَقْرِيعٌ مِنْ صَالِح لِقَومِهِ لَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللهُ بِمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّاهُ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللهِ وَإِبَائِهِمْ عَنْ قَبُولِ الحَقِّ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الهُدَى إِلَى


(١) قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوح (ص ٤٥): "وَقَدْ يُقَالُ: نَفْيُ إِسْمَاعِ الصُّمِّ مع نَفْي إِسْمَاعِ المَوتَى يَدُلُّ عَلَى أَنّ المُرَادَ عَدَمُ أَهْلِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلسَّمَاعِ؛ وَأَنَّ قُلُوبَ هَؤُلَاءِ لَمّا كَانَتْ مَيِّتَةً صَمَّاءَ كَانَ إِسْمَاعُهَا مُمْتَنِعًا بِمَنْزِلَةِ خِطَابَ المَيِّتِ وَالأَصَمِّ، وَهَذَا حَقٌّ؛ وَلَكِنْ لَا يَنْفِي إِسْمَاعَ الأَرْوَاحِ بَعْدَ المَوتِ إِسْمَاعَ تَوبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ بَوَاسِطَةِ تَعَلُّقِهَا بِالأَبْدَانِ فِي وَقْتٍ مَا، فَهَذَا غَيرُ الإِسْمَاعِ المَنْفِيَّ، وَاللهُ أَعْلَمُ".
(٢) النُّكَتُ الدَّالَّةُ عَلَى البَيَانِ (١/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>